جدات للإيجار! | نور المحمود

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!


نور المحمود

في العالم الافتراضي يمكنك أن ترسم لنفسك حياة تختار فيها ما شئت من الأصدقاء وتعيش قصصاً وهمية وتتواصل مع أشخاص مجهولين تشكل معهم شبكة كبيرة من العلاقات؛ وفي العالم الذي وصلنا إليه اليوم حيث تفتر العلاقات بين أفراد الأسرة الواحدة وتتباعد المسافات بين الإخوة وحتى بين الأهل والأبناء الذين يسكنون في نفس البيت، بات الإحساس كبيراً بافتقاد الإنسان لمن يلجأ إليه في أوقات الحسم وأوقات الضعف والحيرة، وبات البحث عن الحضن الدافئ الذي يعوّض غياب دفء الأسرة وغياب العلاقات القريبة والودودة مع الجدّ والجدّة ضرورة.

كم باعدت المسافات بين أفراد العائلات، والمحزن أن تجد بيوتاً فارغة من حنان الجدّ والجدّة، علاقات رسمية بين الأجداد والأحفاد أو شبه مقطوعة بسبب انشغال الأهل وعدم تركيزهم في أهمية وجود كبار السن لتعويض الأحفاد ما ينقصهم من حنان، ومدّهم بالرأي الحكيم وقصص يرويها الأجداد تكون بمثابة دروس يتعلم منها الصغار الكثير، فخبرات الأجداد ونصائحهم كنوز لا تُقدر بثمن.. تخيّلوا أن هناك شركة في اليابان تقدم خدمة اسمها «أوكي جراندما» لاستئجار جدّات! والإقبال على هذه الخدمة كبير، حيث يستأجر الناس خصوصاً الشباب جدّاتٍ تتراوح أعمارهن بين ٦٠ و٩٤ عاماً، مقابل ٢٣ دولاراً في الساعة!.

الفكرة مميزة لكن اللافت الإقبال الكثيف على طلب الجدّات لأنهن مصدر للدعم والدفء والحنان، ويستفيد منهن الشباب في المشورة نظراً لخبرتهن في الحياة وقدرتهن على استيعاب هموم ومشاكل هؤلاء الشباب.. صحيح أن تأجير الأشخاص منتشر في اليابان وليس الجدّات فقط، لكن كل ذلك يدل إلى افتقاد الإنسان لجزء مهم في حياته الأسرية وداعم لحياته اليومية الطبيعية؛ فشاء من شاء وأبى من أبى، لا تكتمل أركان التربية والاستقرار النفسي والاجتماعي إلا بوجود أعمدة حقيقية للأسرة، الجدّ والجدّة أو أحدهما، الأم والأب، فالأطفال والشباب مهما بلغ بهم الأمر في عز تمرّدهم ورغبتهم في التحليق بعيداً عن أحضان العائلة وكسر الروتين والقوانين والتقاليد.. يحتاجون إلى محطة يستريحون فيها ويطمئنون للجوء إليها بين الحين والآخر، ويبحثون عن داعم لهم ولأفكارهم يمدهم بالنصيحة بلا تأنيب وتوبيخ وتقليل منهم ومن مستوى قدراتهم ومشاعرهم.. وهو ما يفعله دائماً الأجداد ويغيب عن ذهن الآباء غالباً، الجدة (أو الجد) تحتضن، تنصح بروية وحكمة، ترفع من معنويات الحفيد أو الشاب وتحثهم على استعادة ثقته بنفسه وتصويب مساره متجنباً الأخطاء.

يقول المثل الشعبي المصري «اللي ما لوش كبير، يشتري له كبير»، ويبدو أن اليابان بدأت بتطبيق المثل حرفياً.

[email protected]



‫0 تعليق

اترك تعليقاً