
سلط الدكتور محمود حامد الحصري، مدرس الآثار واللغة المصرية القديمة بجامعة الوادي الجديد، الضوء على التأثير الجذري لنهر النيل في حياة المصريين القدماء، وكيف بنى النهر الخالد حضارة مصر العريقة وشكل شخصية أهلها عبر آلاف السنين.
جاء ذلك في حلقة من برنامج حكاية اثر المذاع على موقع أخبار مصر حيث أوضح الدكتور الحصري أن نهر النيل لم يكن موجودا بشكله الحالي منذ ملايين السنين، حيث كان البحر المتوسط يغطي جزءا كبيرا من مصر. إلا أنه مع دخول عصور البلاستوسين والعصور المطيرة، بدأ النيل في شق مجراه ليصل إلى البحر المتوسط، مكونا في بداياته فروعا عديدة، يقال إنها وصلت إلى سبعة فروع بخلاف فرعي دمياط ورشيد المعروفين اليوم.
وقال الحصري أن الإنسان القديم كان يعيش في الكهوف وحول المستنقعات بعيدا عن مجرى النهر. لكن مع استقرار النهر، استقر الإنسان المصري القديم حول ضفافه، ليبدأ في تكوين الجماعات وإنشاء القرى والمدن. هذا الاستقرار كان حجر الزاوية في قيام الحضارة المصرية القديمة، حيث تعلم المصريون القدماء الزراعة، ليصبح المجتمع المصري القديم مجتمعا زراعيا من الطراز الأول.
وأشار الدكتور الحصري إلى أن الزراعة في مصر القديمة كانت مرتبطة ارتباطا وثيقا بالنيل، حيث كانت الفصول الزراعية تتألف من ثلاثة فصول فقط، على عكس فصولنا الأربعة حاليا. هذه الفصول كانت: فصل الفيضان (الإغمار)، ثم فصل بذر البذور بعد انحسار المياه، وأخيرا فصل الحصاد. هذا النظام الزراعي الفريد جعل مصر في إحدى الفترات “سلة غلال العالم”، حيث اعتمد العالم كله على القمح المصري.
لم يقتصر تأثير النيل على الزراعة فحسب، بل امتد ليشمل جوانب عديدة من حياة المصريين القدماء؛ فقد سهل النيل معرفة الكتابة؛ فنبات البردي، الذي ينمو على ضفافه، كان المادة الأولى التي عرفها المصريون القدماء لصناعة الورق.
كما علم المصريين القدماء السباحة وصيد الأسماك، وكانت تقام مسابقات مهمة في النيل بين أفراد الشعب.
وارتبطت به احتفالات هامة مثل احتفال شم النسيم، حيث كانوا يركبون المراكب في النيل.
وكان النيل كان سببا رئيسيا في التبادلات التجارية بين شمال مصر وجنوبها (مصر العليا والسفلى)، حيث كانوا ينقلون البضائع في الاتجاهين.
كما لعب النيل دورا محوريا في عملية البناء والتشييد المعماري؛ فباستخدام النيل، كانوا ينقلون الأحجار الضخمة من أسوان عبر المراكب والزحافات الخشبية لبناء المعابد والمنشآت الضخمة.
وفي الختام أكد الدكتور الحصري أن النيل شكل بصمة كبيرة وواضحة في حياة المصريين القدماء. ورغم مقولة المؤرخ هيرودوت الشهيرة: “مصر هبة النيل”، أضاف الدكتور الحصري أن مصر هبة النيل “بفضل شعبها وأهلها وناسها الطيبين”، مؤكدا على التفاعل الفريد بين النهر والإنسان الذي أثمر أعظم الحضارات.