السفر وسيلة وليس هدفًا | شيماء المرزوقي

السفر وسيلة وليس هدفًا | شيماء المرزوقي


لا شك أن السفر خلال فصل الصيف ظاهرة اجتماعية لافتة، بل كأنها أصبحت ثقافة سائدة، البعض يعاني ضغوطاً اجتماعية، خفية أو غير معلنة، تحث وتدفع نحو السفر، ليس من أجل الترويح عن النفس، وتغيير الأجواء، وشحن النفس بالطاقة الإيجابية، بقدر ما هو تقليد، ومسايرة للركب العام، وهذه المسايرة قد تكون على حساب جوانب أخرى مثل الاستقرار المالي أو النفسي والجسدي.

الرحلات السياحية، والسفر عموماً، حاجة إنسانية، ودون شك، يحقق راحة ذهنية وجسدية، بل يمنح الإنسان فرصة للتجدد والتخلص من ضغوط الحياة التي يعانيها، والخروج من الروتين والعمل المستمر.

ما يحدث في هذا العصر، هو تحول السفر من قيمته المعنوية والثقافية، وفائدته النفسية والجسدية، إلى همّ وحمل، وممارسة تتم بسبب مجاراة للأقارب، أو الصحب، أو الزملاء، ومن هنا يتم تخطيط الرحلات من منطلقات مختلفة قد لا تحقق الاستقرار، ولا تلبي الحاجة الفعلية. على سبيل المثال، أحدهم يحتاج لمنتجع أو فندق يتمتع موقعه بالهدوء، والاسترخاء، والأجواء الباردة، لكن لأنه يواكب تطلعات الآخرين ورغباتهم، يقوم باختيار فندق مكتظ أشبه بالسوق، عند الجلوس في البهو، تجده مزدحماً والأصوات متعالية، مع أنه «خمس نجوم»، وعند تناول الطعام يسمع الأصوات المرتفعة، مع تزاحم على طاولات الطعام يحدث معها تأخر في تقديم الطلبات، والمشكلة أكبر عندما يكون المطعم «بوفيهاً» مفتوحاً. وإذا خرج من الفندق، يجد شوارع مزدحمة وضوضاء وتلوثاً، فهو في حالة من الانزعاج، ومرتبك، وبعد مضي إجازته، يعود متعباً ومرهقاً، خسر المال، والوقت والجهد، ولم يكسب إلا المزيد من التعب والمشقة.

السبب أننا لا نرتب لإجازاتنا بشكل محكم، فلا نجلس ونسأل أنفسنا عن الحاجة الحقيقية لنا، نحن ندور ونبحث عما جربه الآخرون، وعما يلفت انتباه الآخرين، وعن توصياتهم ونصائحهم، بل هناك من يسافر استجابة لقريب أو صديق، يفرض آراءه ووجهات نظره التي تناسبه، بينما قد لا تكون مناسبة له. على الجانب الآخر، البعض منا يسافر وينقل معه همومه، وعقلاً مثقلاً بالقلق، فتكون رحلة الاستجمام بلا جدوى أو فائدة.

علينا جميعاً فهم أن السفر ليس غاية في حد ذاته، بل هو وسيلة للترفيه، والهدوء، والراحة، وأيضاً للتعلم والثقافة. إذا فقد السفر هذا المعنى فإنه، دون شك، سيكون بمكانة انتقال من مكان إلى مكان آخر، لكنه انتقال مع أعباء مالية، فضلاً عن الإرهاق النفسي والجسدي.

[email protected]

www.shaimaalmarzooqi.com



تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *