بينما يحتفي العالم باليوم العالمي لسرطان الرأس والعنق في 27 يوليو/تموز، يحذر خبراء الصحة من العبء المتزايد لهذا النوع من السرطانات في دول الخليج، مع تأكيد أن الطب الدقيق «Precision medicine» أصبح أداة أساسية في تحسين فرص العلاج والشفاء.
ويؤكد د.جاتين شاه، الجراح العالمي المتخصص في سرطانات الرأس والعنق بمركز ميموريال سلون كترينغ لعلاج السرطان (MSK) في نيويورك، أن هذه السرطانات تُعد من أكثر الأورام الخبيثة انتشاراً بين الرجال في دول الخليج والمنطقة بشكل عام. ويقول: «نشهد زيادة مستمرة في أعداد الحالات، ويعود ذلك إلى عوامل نمط الحياة والثقافة السائدة، مثل استخدام منتجات التبغ غير المدخن، وهو ما يرتبط ارتباطاً وثيقاً بسرطانات الفم بين الشباب».
ويحذر شاه من أن التشخيص المتأخر يُعد من أبرز التحديات، إذ يراجع العديد من المرضى الأطباء بعد تفاقم الأعراض ووصول المرض إلى مراحل متقدمة، مما يقلل بشكل كبير من فعالية العلاج وفرص الشفاء.
ويشير إلى«فجوة في الوعي بأعراض الإنذار المبكر مثل القرح المستمرة في الفم، أو صعوبة البلع، انتفاخ الرقبة أو بحة الصوت، وهو ما يؤدي إلى ضياع فرص التشخيص المبكر والتدخل العلاجي السريع».ويلفت أيضا ًإلى ارتفاع تدريجي في سرطانات الحلق «Oropharyngeal cancers» المرتبطة بفيروس (HPV) نتيجة تغيّر أنماط السلوك وضعف الإقبال على اللقاح.
وبرغم ذلك فإن الأمل كبير، ويتمثل في الطب الدقيق «Precision medicine» الذي يُحدث ثورة في علاج سرطانات الرأس والعنق. ويقول شاه: «الطب الدقيق يعني ببساطة تصميم العلاج ليناسب الخصائص الفريدة لكل مريض وللورم السرطاني، بدلاً من اتباع نهج موحد للجميع. في مركز ميموريال سلون كترينغ لعلاج السرطان نستخدم أحدث تقنيات الاختبارات الجينية لفهم البصمة الوراثية للورم، ما يساعدنا على اختيار علاجات تستهدف الطفرات الجينية بدقة، وبالتالي نحصل على نتائج أفضل مع آثار جانبية أقل«.
ويضيف أن هذا النهج يظهر بوضوح في علاج السرطانات الإيجابية للفيروس (HPV)، إذ أثبتت الدراسات، بما في ذلك أبحاث المركز، أن هذه السرطانات تستجيب بشكل أفضل للعلاج مقارنة بالحالات السلبية للفيروس، ما يتيح للأطباء اعتماد جرعات إشعاعية أقل ضرراً للحفاظ على جودة حياة المرضى على المدى الطويل. ويساعد الطب الدقيق أيضاً على التشخيص المبكر، باستخدام أدوات مثل التصوير المتقدم والبيانات الحيوية، يمكن الكشف عن السرطانات في وقت مبكر وتخطيط علاجات أكثر فعالية.
ويبرز دور المراكز العالمية المتخصصة كمركز ميموريال سلون كترينغ لعلاج السرطان بصفة خاصة في الحالات النادرة أو المعقدة التي تتطلب خبرات متخصصة عالية الدقة. ويقول شاه:»نستخدم تحاليل وراثية متقدمة لفهم خصائص الورم بعمق، ما يمكننا من اختيار العلاج الأمثل وتقليل التدخلات الجراحية قدر الإمكان. وهذا لا يُطيل عمر المريض فحسب، بل يحافظ أيضاً على وظائفه الحيوية وجودة حياته«.
ويؤكد د.جاتين شاه أن المرضى من الإمارات والمنطقة يمكنهم الوصول لهذه الرعاية المتقدمة من خلال التواصل لطلب رأي ثانٍ، أو استشارة، أو تنسيق الرعاية، أو حتى السفر لتلقى العلاج في مركز ميموريال سلون كترينغ لعلاج السرطان. ويؤكد أن الدعم متاح في كل خطوة، بدءاً من ترجمة السجلات الطبية وتحديد المواعيد وصولاً إلى لوجستيات السفر والإرشادات المالية.
وينصح برفع مستوى الوعي بالمرض وتثقيف الجمهور بأهمية الإقلاع عن التبغ والكحول بغرض الوقاية. كما أن تعزيز برامج الكشف المبكر، خاصة للفئات عالية الخطورة، والتوسع في حملات التوعية بلقاح HPV ضروريان للحد من الانتشار. ومن المهم أيضاً الاستثمار في قدرات الطب الدقيق، وتوفير البنية التحتية للتحليلات الجينية، وتسهيل الوصول إلى العلاجات الموجهة. كما أن التعاون مع مراكز عالمية مثل ميموريال سلون كترينغ لعلاج السرطان يسرّع نقل المعرفة، ويفتح المجال أمام الأطباء المحليين للمشاركة في تجارب سريرية متقدمة.
ويختتم د.جاتين شاه رسالته بمناسبة اليوم العالمي لسرطان الرأس والعنق، قائلاً:»الاكتشاف المبكر ينقذ الأرواح. استمعوا لأجسامكم ولا تهملوا الأعراض البسيطة التي تستمر أكثر من أسبوعين. ابحثوا عن الرعاية التخصصية الدقيقة من المراكز الرائدة، فالتطورات في الطب الدقيق تمنحنا خيارات علاجية أكثر فعالية وأقل ضرراً، وتمنح مرضانا الأمل الذي يستحقونه’.