هل سيبقى الوجود التركي في العراق للأبد؟

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!


– سياسي
في تطور وُصف بالتاريخي، أعلن حزب (PKK) رسميًا إنهاء كفاحه المسلح بعد أكثر من أربعة عقود من الصراع مع ، مثيرًا موجة واسعة من التساؤلات حول مبررات استمرار الوجود العسكري التركي داخل الأراضي العراقية، خاصة بعد زوال الذريعة التي طالما استخدمتها لتبرير عملياتها العسكرية هناك.

وجاء إعلان الحزب خلال مؤتمره الثاني عشر الذي عُقد في إقليم في مايو الماضي، حيث أكد قادته استجابتهم لدعوة زعيمهم المسجون عبد الله أوجلان، بالدخول في مرحلة جديدة قوامها العمل السياسي بدلاً عن العمل المسلح.

وتبع هذا الإعلان مشهد رمزي غير مسبوق، حين أقدم مقاتلو الحزب على حرق أسلحتهم في مراسم علنية بمحافظة منتصف يوليو الجاري، في خطوة فسّرها مراقبون بأنها بداية لنزع السلاح الكامل، ورسالة صريحة لتركيا بأن مرحلة الحرب قد انتهت.
خلفية الصراع الطويل
ومنذ ثمانينيات الماضي، خاض حزب صراعًا مسلحًا التركية مطالبًا بحقوق الأكراد السياسية والثقافية، ما أودى بحياة عشرات الآلاف وشرد مئات القرى في المناطق الحدودية.
وكانت قد وسّعت من عملياتها العسكرية في شمال بذريعة ملاحقة مقاتلي الحزب، وأقامت عشرات القواعد والمعسكرات الدائمة داخل العمق العراقي، أبرزها في مناطق ودهوك ومتينا وقنديل.
وخلال السنوات الأخيرة، نفذت سلسلة عمليات عسكرية أطلقت عليها اسم “المخلب”، أبرزها عملية المخلب – القفل 2022، التي رسخت وجودًا عسكريًا دائمًا تجاوز حدود العمليات المؤقتة إلى تموضع طويل الأمد.
لكن بإعلان الحزب إنهاء الكفاح المسلح وتفكيك بنيته العسكرية، بدأت تتلاشى الحجة التي اعتمدتها أنقرة طوال عقود، الأمر الذي أثار جدلًا واسعًا داخل العراق وخارجه.
تساؤلات سياسية حول الوجود التركي
بعد التطور الأخير، علت أصوات سياسية عراقية وكردية تتساءل:
-ما الدافع لبقاء القوات التركية في العراق بعد زوال التهديد العسكري لحزب العمال؟
-هل تحولت الذريعة الأمنية إلى غطاء لأجندات سياسية واقتصادية تتعلق بالحدود والمياه والنفط؟
-وهل ستشهد المرحلة المقبلة ضغوطًا عراقية ودولية لإخراج القوات التركية من الأراضي العراقية؟
وقال محللون سياسيون ان “تخلي الحزب عن السلاح خطوة تاريخية، لكنها تكشف بوضوح أن استمرار التوغل التركي في العراق لم يعد له مبرر شرعي أو قانوني”، مشيرين الى ان “ما يحدث الآن تجاوز ملاحقة ، وأصبح انتهاكًا للسيادة العراقية”.
وشدد النائب السابق محمد على أن “أنقرة تستغل فراغ السيادة في مناطق الإقليم لتثبيت قواعد دائمة، وربما تسعى لفرض نفوذ استراتيجي على الشريط الحدودي، وهو أمر لم يعد مقبولاً بعد إعلان PKK إنهاء نشاطه المسلح”.
الموقف التركي: ذريعة جديدة أم استمرار القلق الأمني؟
ورغم هذا التحول، أكدت أنقرة عبر مسؤوليها أن انسحاب قواتها غير مطروح حاليًا، مبررة ذلك بأن خطر الحزب “لم يُمحَ بالكامل”، وأن خلايا التنظيم قد تعيد نشاطها مستقبلًا.
كما ربطت تركيا أي انسحاب بضرورة ضمان نزع سلاح جميع الفصائل المرتبطة بـPKK، بما فيها حماية الشعب YPG في .
ويرى مراقبون أن أنقرة تسعى للحفاظ على وجودها العسكري كورقة ضغط إقليمية، ليس فقط ضد التهديد الكردي، بل أيضًا لتأمين مصالحها المائية والنفطية مع العراق، خاصة مع مشاريع خط أنابيب النفط والغاز التي تمر عبر الحدود المشتركة.
وأربيل بين ضغوط السيادة والحسابات السياسية
في بغداد، تتعالى الدعوات لاتخاذ موقف موحد يطالب بخروج القوات التركية، مع التأكيد على أن اتفاقيات التسعينيات الأمنية التي كانت تتيح لتركيا ملاحقة مقاتلي الحزب باتت لاغية بعد نزع سلاحه.
لكن في المقابل، يبدو أن حكومة تتعامل مع الملف بحساسية أكبر، إذ تخشى الفراغ الأمني في المناطق الحدودية الوعرة، وترى أن انسحاب تركيا قد يخلق ثغرات يمكن أن تستغلها مجموعات أخرى متطرفة.
ويقول الخبير في شؤون الأمن الحدودي سردار عثمان “الإقليم قد لا يمانع بقاء وجود تركي محدود لمراقبة التحركات، لكنه يرفض أي تموضع دائم أو توسيع نفوذ عسكري يتجاوز حدود التنسيق الأمني”.
سيناريوهات المرحلة المقبلة
1-حوار ثلاثي بين بغداد وأنقرة وأربيل لوضع جدول زمني لانسحاب تدريجي، مقابل التزامات أمنية تضمن عدم عودة PKK للنشاط.
2-تصعيد دبلوماسي عراقي قد يصل إلى تدويل القضية عبر ، للضغط على تركيا لإنهاء وجودها العسكري.
3-إبقاء الوضع على حاله بحجة أن تركيا ستواصل مراقبة الوضع الأمني إلى أن تتأكد من انتهاء الحزب تمامًا، وهو سيناريو قد يطيل الأزمة.
إعلان حزب العمال الكردستاني إنهاء كفاحه المسلح يمثّل تحولًا تاريخيًا ينهي واحدة من أعقد الحروب في المنطقة، لكنه في الوقت نفسه يفتح ملفًا حساسًا حول شرعية التواجد التركي في العراق. وبينما يطالب مراقبون وسياسيون بخروج القوات التركية بعد زوال التهديد، تصر أنقرة على البقاء لحين ضمان “زوال الخطر بشكل كامل”.
ويبقى السؤال المطروح بقوة: هل ستشهد المرحلة المقبلة إعادة رسم للتوازنات بين بغداد وأنقرة وأربيل، أم أن تركيا ستستمر في التمسك بوجودها العسكري تحت ذرائع أمنية جديدة؟



‫0 تعليق

اترك تعليقاً