د. عمرو منصور*
في تاريخ العلاقات الدولية يحتاج وصف حدث ما بالتاريخي، إلى سياقات محددة ونتائج عميقة التأثير ليحظى هذا الحدث بمكانة وضعه في مصاف الأحداث التاريخية. وفي 19 يوليو(تموز) 2018، كانت دولة الإمارات مع حدث تاريخي، باستقبال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، (ولي عهد أبوظبي آنذاك)، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، الرئيس الصيني شي جين بينغ في زيارة تستحق عن جدارة أن تحظى بوصف زيارة تاريخية.
في خطوة ربما كانت مفاجئة للبعض، قرر الرئيس شي ألا تكون الوجهة الخارجية الأولى بعد إعادة انتخابه الولايات المتحدة أو عاصمة أوروبية كبرى، بل اختار التوجه إلى أبوظبي، في دلالة واضحة على المكانة المميزة التي باتت تحتلها دولة الإمارات لدى القيادة الصينية وأجندتها الدولية، وتعبيراً عن وضوح الرؤية الاستراتيجية بشأن مستقبل العلاقات بين البلدين. ليأتي رد القيادة الإماراتية مناسباً لقيمة الحدث وتقديراً لقرار الرئيس شي بتنظيم استقبال حافل للضيف الكبير ومنحه وسام زايد أرفع وسام تمنحه الدولة.
في الواقع، جاءت الزيارة تتويجاً للصداقة الطويلة التي ربطت الرئيس شي وصاحب السمو رئيس الدولة ونائبه، وتعدد اللقاءات بين الجانبين على مدار نحو عقد كامل، فضلاً عن توقيع الإمارات اتفاقية الشراكة الاستراتيجية كأول دولة خليجية توقعها مع الصين، وارتفاع حجم التبادل التجاري بين البلدين من 27,3 مليار دولار عام 2007 إلى 41 مليار دولار عام 2017.
من جهة أخرى، كان هناك إدراك من القيادة الصينية لتصاعد التأثير الإقليمي والدولي للإمارات بالتزامن مع تشابك ومتانة العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وتحول الإمارات إلى نقطة ارتكاز رئيسية في مسار مبادرة الحزام والطريق. من جانبها، كانت القيادة الإماراتية تتعامل مع الصين بإيجابية وفق موقعها كأحد الأقطاب العالمية الكبرى، وحفاظاً على نهج القيادة الراسخ في تنويع الشراكات مع كافة القوى الدولية.
ومن ثم باتت كل الظروف مهيأة لاستثمار زيارة الرئيس شي للانطلاق بالعلاقات إلى مرحلة جديدة والارتقاء بها إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة، والتي شملت التعاون بين البلدين في 8 مجالات رئيسية هي: (المجال السياسي – المجال الاقتصادي والمالي – المجالات التعليمية والعلمية والتكنولوجية – مجال الطاقة المتجددة والمياه – مجال النفط والغاز – المجال العسكري وإنفاذ القانون والأمن – المجال الثقافي والإنساني – المجال القنصلي وتسهيل حركة المواطنين)، بجانب توقيع 13 اتفاقية ومذكرة تفاهم في مجالات شملت التعاون في مبادرة الحزام والطريق والطاقة والتجارة الإلكترونية وغيرها.
قيمة زيارة الرئيس شي تجاوزت حدود النتائج الآنية لها، فأعقبها بث طاقة جديدة في العلاقات بين البلدين بالزيارتين المتتاليتين لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، إلى بكين في إبريل ويوليو 2019 لتتعزز شراكتهما وترسم للبلدين ملامح مستقبل علاقتهما، وهو ما تكرّس خلال الزيارة التاريخية لصاحب السمو رئيس الدولة إلى بكين في مايو(أيار) 2024. بالإضافة إلى ذلك، تضاعف حجم التبادل التجاري عقب زيارة الرئيس شي بنحو 250% ليصل إلى 101,8 مليار دولار عام 2024.
هذا الحدث الذي شهدته الإمارات في يوليو(تموز) 2018، نقل العلاقات الإماراتية -الصينية إلى بعد أخر، ليكون لقاء بين طموحات قيادتين وتطلعات شعبين بما يجمعهما من مصالح استراتيجية وما يحفزهما من أهداف تنموية. لذا كانت زيارة الرئيس شي تاريخية في دلالاتها ومضمونها ونتائجها، ومعبرة عن عمق التحولات السياسية والجيواقتصادية التي تعيشها الساحة الدولية.
* باحث سياسي في الشؤون الصينية
[email protected]