عبداللطيف الزبيدي
هل بدا لك أن العنوان أحق بأن يكون عنوان كتاب، أو بحث استقصائي، أو دراسة مستفيضة؟ أنت محقّ، فالقلم، أوّلَ الأمر، هَمّ بالكتابة في الآلة الذكية ومستقبل الأدب، لولا أن رأى أن أكثرية الفنون في هذا المصير سواسية، الموسيقى والتشكيليات والمسرح والسينما وما إليها. إلا أن مصاب الأدب هو الخطب الجلل أبو الجلاجل، لكونه يبدع أعماله من معدن اللغة، بعناصر الحروف والكلمات. أنت تستطيع بناء محاور في فلسفة الفن وعلم الجمال، على موسيقى باخ وموتزارت وبيتهوفن، ولوحات رامبراندت وفان غوخ وبيكاسو، لكن، من المحال التعبير بالمؤلفات الموسيقية والرسم والنحت، عن «رسالة الغفران» للمعرّي، أو فكر محمد إقبال، أو فلسفة هيغل.
أبعاد الموضوع لا تنحصر في عمود. على المفكرين والمثقفين العرب أن يعكفوا على دراسة أسئلة لم تكن لتخطر ببال أحد منهم، قبل عشرين سنة أو حتى عشر: الذكاء الاصطناعي اليوم يحل محل الإنسان في التحرير والترجمة والتدقيق اللغوي، والتحقيق والتحليل، وتنظيم الأفكار، ولا يستطيع الدماغ الآدمي إطلاقاً منافسة الآلة الذكية في نهم ابتلاع المكتبات، فالمخ البشري بمقاييسه الاستيعابية الحالية لا تكفيه عشرات الأعمار لتخزين مكتبة الكونغرس. يجب الوضع في الحسبان التطور المذهل في جودة الترجمة، مع ملاحظة أن الترجمة إلى العربية تظل الأحوج إلى التجويد والدقّة. ما هو مستقبل تمكّن الآلة من اللغة؟ هل ستحدث قفزات في قدرة الذكاء الاصطناعي على إبداع الأجناس الأدبية؟ بلا شك، الإبداع في الفنون التشكيلية أيسر ألف مرّة، وإذا كان الذكاء غير البيولوجي قد استطاع اقتحام تأليف الموسيقى السيمفونية، وهو لا يزال يحبو، فيقيناً سيبدع متى بلغ سن الرشد وكهلاً.
أهل البحوث والدراسات يعرفون جيّداً تنمية هذه المباحث وما تفرّع منها. هنا تطل المحرجات برؤوسها: هل سينقرض الأدباء جرّاء انتقال ملكيّة اللغة إلى الآلة؟ من كوميديا الغد: في معارض الكتب الافتراضية، ستعرض الأجنحة مليون رواية أبدعتها خوارزميّات الروبوتات، وفي زاوية مئة رواية كتبها آدميون. في المعرض ندوات يشارك فيها نقّاد روبوتيون، في مخزون كل واحد جميع ما كتب من روايات وقصص ونظريّات نقديّة، بكل لغات العالم، وكل فلسفات الأرض في جميع الثقافات والأعمال الكاملة لأشعار الكوكب. باب الخيال مفتوح، تفضل، ولا تخلع نعليك، إلّا إذا رمت الفرار.
لزوم ما يلزم: النتيجة القياسية: يبدو، والله أعلم، أن النظام الثقافي العالمي الحالي، سيحل محله نظام ثقافي جديد، تماماً كالنظام العالمي المشرف على الرحيل. مجرد ذكرى لأولي الألباب الثقافية.
[email protected]