عزيز يوسف جرجس عيد «1 مارس 1883 – 28 أغسطس 1942».. ولد فى لبنان والتحق بمدرسة الجزويت ببيروت،
فنال قسطا وافرا من التعليم باللغة الفرنسية، ودرس آدابها، مما كان له تأثير كبير على مساره الفنى فيما بعد.. وفى وقت لاحق هاجرت أسرته إلى مصر واستقرت فى كفر الشيخ، وابتاع أبوه عدة أفدنة لاستثمارها، وأصيب فى سن مبكرة بمرض عصبى، وبعد شفائه نصحه الأطباء بتجنب الانفعال الحاد.. مات أبوه وهو ما زال طالبا بمدرسة الفرير بطنطا، ولأن الوالد ترك إرثا من الديون انقطع عن الدراسة وانتقل مع أخيه إلى القاهرة للبحث عن عمل.. وبعد تنقله فى عدة وظائف التحق ببنك التسليف الزراعى وهناك التقى رفيق الرحلة الذى كان أيضا موظفا فى نفس البنك، الفنان نجيب الريحانى، وفى تلك المرحلة كان يمارس هوايته المسرحية ليلا ويقضى نهاره فى الوظيفة.. انضم إلى فرقة إسكندر فرح التى كونها بعد انفصاله عن سلامة حجازى 1905، وبعد عامين كون فرقته مع سليمان الحداد 1907 لتمثيل فودفيلات المسرح الفرنسى والذى كان يقوم بترجمته وإخراجه، ليؤسس عزيز عيد منذ ذلك التاريح حقبة سوف تستمر طويلا من الفودفيل الذى لاقى هوى فى وجدان المصريين.
عزيز عيد عاش وشعاره بيت الشعر الشهير لأبى الطيب المتنبى «على قلقٍ كأن الريح تحتى.. أوجهها يمينا أو شمالا».. وكان يصارع الرياح يوجهها تارة وتعصف به تارة أخرى. يرى معاصروه أنه برع فى التمثيل وتميز فى الأداء الكوميدى خاصة أنه كان قصير القامة، أحدب، أصلع الرأس، يتمتع بخفة ظل على المسرح وبأسلوب متميز فى الأداء. ووفقا لقاموس المسرح المصرى كان هذا الفنان أول من قدم الفودفيل فى المسرح المصرى، وذلك رغم أنه قام بحل الفرقة التى قدمت الأعمال الأولى التى تنتمى إلى صيغة الفودفيل أواخر 1908، وانضم إلى فرقة شركة التمثيل العربى التى تألفت من فرقة الشيخ سلامة حجازى وإسكندر فرح مخرجا لها.
وتنقل عزيز عيد للعمل مع العديد من الفرق ليعمل مع فرقة جورج أبيض وأيضا فرقة عبدالله عكاشة الذى أخرج لها مسرحيات منها «القضاء والقدر، طارق بن زياد، بائعة الخبز»، وتركها وعاد ليعمل مع جوقة أبيض وحجازى، إلى أن أسس فرقته «الكوميدى العربى» عام 1915، ولم تحقق الفرقة المنشود منها ولم يقبل عليها الجمهور، فضمها إلى فرقة عكاشة لما يئس من الإقبال الجماهيرى، ثم عاد إلى فرقة أبيض وحجازى، وكان قد قدم فى تلك الفترة مجموعة من عروض الفودفيل لم تحقق نجاحا فى البداية، ويبدو أن هذا النوع كان جديداً على أو قل كان غريباً على الذائقة المصرية التى تفاعلت معه فيما بعد.. وقدم عروضا فى تلك الفترة لاقت رواجا فيما بعد، مثل «خلى بالك من إميلى، يا ست ماتمشيش كده عريانة، المودموزيل جوزيت مراتى»، وكلها تمصير عن فودفيلات فرنسية.. ورغم براعة عزيز عيد فى الإخراج، ورغم اختيارته الدقيقة فإن الأعمال لم تنجح كما ذكرت، والملاحظ تنقل هذا الفنان بين العديد من الفرق فى فترة قصيرة.
كان روحا قلقة لا تستقر فى مكان، كأنه يبحث عن شىء ما، وظنى أنه كان مولعاً بالتجريب.. تعاون مع سلامة حجازى وعبدالله عكاشة وإسكندر فرح وجورج أبيض، وفى عام 1917 كون مع أمين صدقى فرقة بكازينو الأبيه دى.. وقدمت الفرقة مجموعة من الأعمال أشهرها من تأليف إبراهيم رمزى «دخول الحمام مش زى خروجه»، واعتبرها النقاد أول كوميديا مصرية مؤلفة! وظل عزيز عيد يؤسس الفرق ويحلها ويتجول بين الصيغ المسرحية المختلفة.. تعاون مع الريحانى، وأيضا مع سيد درويش الذى قدم من تلحينه ثلاثة أعمال من كلاسيكيات المسرح الغنائى «شهرزاد، العشرة الطيبة، الباروكة».. ورغم قيمة هذه الأعمال فإنها لم تحقق نجاحاً، بل خسرت كثيرا.. وأثير الجدل حول العشرة الطيبة، وهاجمت السلطات نجيب الريحانى منتج هذا العمل، رغم أنه قدم من خلاله أول أوبرا كوميك «العشرة الطيبة» من ألحان سيد درويش، وأغلقتها السلطات لأنها أعتقدت أنه يهاجم الأتراك لصالح الإنجليز، لكنه فى الحقية كان يهاجم الأتراك لكن لصالح الفلاح المصرى، ففى أحد المشاهد جعل الوالى التركى «أبو زعيزع» يدوس بأقدامه على ظهور الفلاحين.
نعم كان الحاضر قاسيا على عزيز عيد وأعماله، ولم يعرف أن المستقبل سيقوم بتخليد هذه المسرحيات ويمنحه صفة المخرج الأول، الذى وصفه فتوح نشاطى بكلمات ظنى أنها عبّرت ولخصت شخصيته ومشواره المسرحى «رجل معذب، مبلل الفكر، مضطرب النفس، يعمل ليل نهار، يترجم ويدّرب ويقتبس ويُخرج الروايات المختلفة بين فودفيل فرنسى وجراجينول مصرى (أراجواز) وأوبريتات مقتبسة.. وكان كفاحه هذا كثيرا ما يؤدى إلى الفشل، لكنه سرعان ما يعاود الكرة.. لكن الأمل الكبير الذى كان يضىء قلبه كان يدفعه للمثابرة ومغالبة الأعاصير».. وأيضا وصفه معاصره الناقد المسرحى عبد المجيد حلمى وصفاً يدل على شخصيته وأسلوبه المسرحى.. وظنى أن أدق توصيف لمخرج العشرة الطيبة حين قال «رجل يأكل تفكيره جسمه فينحف وتتلاشى آماله!.. بل وتلخص هذه الجملة مشوار حياته».
سافر عزيز عيد إلى إيطاليا عام 1922 والتقى هناك يوسف وهبى ودعاه للعودة إلى مصر لتكوين فرقة مسرحية، ولما عاد يوسف بك كوّن فرقته التى أخرج لها عزيز عيد ما يقرب من 40 مسرحية، والتى صارت فيما بعد من تراث يوسف وهبى مثل «راسبوتين، كرسى الاعتراف، غادة الكاميليا، الذبائح، فيدرا، القناع الأزرق، كليوباترا، هاملت، لوكاندة الأنس».. ولأنه يعيش على قلق كأن الريح تحته ترك فرقة رمسيس وبدأ مرحلة جديدة مع رفيقة حياته فاطمة رشدى التى سارعت بتكوين فرقة تحمل اسمها.. وأخرج عزيز عروضها على مدى سبع سنوات.. وكانت مرحلة جديدة فى مسيرته المسرحية ابتعد فيها قليلا عن الفودفيل والنصوص العالمية وقدم مسرحيات أحمد شوقى الشعرية «مصرع كليوباترا، على بك الكبير، أميرة الأندلس»، بالإضافة إلى أعمال أخرى عالمية ومحلية مثل «غادة الكاميليا، النسر الصغير، يوليوس قيصر، أما ليلة من ألف ليلة، سمير أميس، بسلامته بيصطاد».. وحققت الفرقة خسائر كبير لتصميم عزيز عيد على تمصير النصوص العالمية، وسرعان ما انفصل عن فرقة فاطمة رشدى.. وفى عام 1934 قرر خوض مغامرة جديدة بعيدا عن الفرق والإخراج المسرحى وذلك حين افتتح معهدا لتدريس التمثيل للهواة بدار التمثيل العربى، وأيضا لم تنجح الفكرة!
«وللحديث بقية»..