حريق هايبرماركت الكوت يثير ذكريات المؤلمة دون وجود رادع مناسب

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!


– محلي
مرة أخرى، يستيقظ العراقيون على فاجعة جديدة، وهذه المرة في حريق هايبرماركت بمدينة ، الذي أودى بحياة 63 شهيداً وأصاب العشرات، ليعيد إلى الأذهان سلسلة حرائق دامية شهدها خلال السنوات الماضية، أبرزها حريق عرس في الذي حصد 122 ضحية، وحريق التعليمي في الذي أودى بحياة 92 شخصاً، وقبلهما حريق في الذي خلّف 81 ضحية.

وتتكرر الكارثة، تتعدد الأسباب المعلنة، لكن النتيجة واحدة: مئات الأرواح تُزهق وسط عجز حكومي عن فرض إجراءات السلامة، وغياب حقيقي للمحاسبة.
أسباب متكررة… دون حلول جذرية
ووفق مختصين في الدفاع المدني وخبراء في الهندسة المدنية، فإن أبرز أسباب تكرار هذه الكوارث تتمثل في:

-غياب أنظمة السلامة والأمان
حيث ان أغلب المباني التجارية، خصوصاً المجمعات والأسواق، تفتقر إلى منظومات إطفاء أوتوماتيكية، أو أجهزة إنذار مبكر.
كما لا يتم الالتزام بمعايير الإخلاء الآمن، وغالباً ما تُغلق مخارج الطوارئ لأسباب تتعلق بالتخزين أو لمنع السرقة.
-البناء المخالف للمواصفات
والكثير من الأبنية تُشيّد بمواد قابلة للاشتعال، مثل الألواح البلاستيكية أو الأسقف المعلقة منخفضة الجودة.
ويتم تحويل مبانٍ سكنية قديمة إلى مشاريع تجارية دون دراسة هندسية أو موافقات دفاع مدني.
-الفساد الإداري وتراخي الرقابة
تراخيص انشاء مثل هذه الابنية تُمنح أحياناً دون تدقيق حقيقي مقابل رشى أو وساطات، إضافة الى ضعف الجولات التفتيشية على الأبنية التجارية والمستشفيات وقاعات المناسبات.
-غياب الصيانة والتدريب
وحتى الأبنية التي تمتلك أنظمة إطفاء أو أجهزة إنذار لا يتم صيانتها بشكل دوري، كما ان العاملين والموظفين لا يتلقون أي تدريبات على خطط الإخلاء أو التعامل مع الطوارئ.
لماذا لا يُحاسَب المقصرون؟
ورغم تشكيل لجان تحقيق في كل فاجعة، ورغم التصريحات النارية عن محاسبة المسؤولين، إلا أن النتائج غالباً تبقى حبيسة الأدراج.
وهناك عدة عوامل تعيق المحاسبة الحقيقية منها تسييس القضايا وتدخل النفوذ حيث غالباً ما تكون الجهات المالكة للبنايات التجارية أو المستشفيات مرتبطة بنفوذ سياسي أو عشائري، ما يعقّد أي مسار قضائي، إضافة الى الضغط الشعبي قصير الأمد، فبعد مرور أيام على الحادثة، ينشغل الرأي العام بفاجعة جديدة، وتخفت المطالبات بالمحاسبة.
وذكر مراقبون ان “القوانين القديمة وغير رادعة لا تتناسب مع حجم الخسائر البشرية، وغالباً ما تنتهي بتسويات مالية بسيطة”، مشيرين الى ان “بعض لجان التحقيق غير الشفافة فعند تشكيلها عقب كل حادثة، نادراً ما تعلن نتائج واضحة أو تقدم أسماء المتورطين فعلياً”.
أصحاب البنايات التجارية بحصانة غير معلنة
ومن اللافت أن معظم أصحاب الأبنية التجارية الكبيرة أو المستشفيات الخاصة لم تتم مساءلتهم بشكل حقيقي رغم ثبوت مخالفتهم لإجراءات السلامة.
ويُعزى ذلك إلى ارتباطهم برجال أعمال نافذين أو شخصيات سياسية وضعف الإجراءات الرقابية في غلق الأبنية المخالفة أو مصادرتها مع غياب قاعدة بيانات مركزية توثق الأبنية التي لا تستوفي معايير الدفاع المدني”.
شهادات من قلب المأساة
وقال أحد الناجين من حريق هايبرماركت الموت “لم نجد طريقاً للهروب… الأبواب كانت مغلقة، والدخان خنقنا في دقائق”.
كما اكد مسؤول امني ان “أكثر من 70 بالمئة من المجمعات التجارية في لا تمتلك منظومات إنذار حقيقية، وبعضها لم يخضع لأي كشف فني منذ سنوات”.
وأكد في كلمة له خلال جلسة الاستثنائية التي عقدت امس “نعزي أهالي وذوي الضحايا بالحادث الأليم الذي أودى بعدد كبير من الضحايا في حادثة المركز التجاري للتسوق”.
وأشار الى أن “الحادث مؤسف ومؤلم يحدث بعد مرور عامين على حادثة بنفس الأخطاء والإهمال والتساهل في شروط والسلامة المهنية والإجراءات المطلوبة”، مؤكدا على “متابعة الحادث منذ وقوعه بتقارير واتصالات مستمرة مع والمحافظ”.
ولفت الى أنه “بعد حادثة الحمدانية وجهت الحكومة بمجموعة إجراءات احترازية نُفذت في أغلب المحافظات ومع متابعة دقيقة حتى أن الأمر وصل الى تنفيذ الإجراءات في حقول المشاريع الزراعية”.
وأوضح أن “نشوب الحادث في واسط يشير الى وجود خلل رغم الإجراءات والتوجيهات مما يستدعي الى اتخاذ إجراءات رادعة وعقابية”.
ونوه بأن “هذا الحادث هو شكل من أشكال أعمال القتل المتعمد والفساد”، مشدداً على أن “التساهل والتغاضي عن الإجراءات الفنية والإدارية المطلوبة بشأن إجراءات السلامة المهنية لهكذا مراكز للتسوق يعد شكلاً من أشكال الفساد الذي أدى الى هذا الحادث الأليم”.
حلول غائبة رغم بساطتها
ويؤكد خبراء أن “منع تكرار هذه الفواجع ممكن عبر إجراءات بسيطة لكنها تتطلب إرادة حقيقية منها فرض كود بناء وطني صارم ومعاصر يمنع استخدام المواد القابلة للاشتعال في المنشآت العامة وتفعيل الرقابة الميدانية عبر زيارات مفاجئة للأبنية التجارية والمستشفيات وتدريب إلزامي للعاملين في المنشآت الكبيرة على خطط الإخلاء والطوارئ وتشديد العقوبات على أصحاب الأبنية المخالفة لتصل إلى السجن والمصادرة، وليس فقط الغرامات وإعلان نتائج لجان التحقيق للناس بشفافية، وعدم الاكتفاء ببيانات عامة”.
الحرائق المتكررة في العراق ليست حوادث عابرة، بل نتاج مباشر للإهمال والفساد وغياب المحاسبة الحقيقية.
وما لم تتخذ الحكومة إجراءات حاسمة تطال أصحاب النفوذ قبل صغار الموظفين، فإن فواجع مثل حريق هايبرماركت الموت ستبقى تتكرر، وسيبقى العراقيون يودعون أحبّاءهم وسط رماد المباني المحترقة.



‫0 تعليق

اترك تعليقاً