طارق سعيد علاي*
في عالم لا يتوقف عن التغير، لم يعد كافياً أن نمتلك أقوى أدوات الاتصال والإعلام، ولا أن تصل الرسالة إلى أكبر عدد من الناس. فالتحدي اليوم يكمنُ في كيف تُقال الرسالة؟ ولماذا؟ وما الأثر الذي تتركه في وعي الجمهور؟
من هذا الإدراك، تواصل جائزة الشارقة للاتصال الحكومي في نسختها الثانية عشرة أداء دورها بوصفها أكثر من مجرد منصة تكريم. إنها مساحة للتفكير والتأثير، ورسالة تتخطى الحدود والثقافات، لتصنع بصمة عالمية في مستقبل الاتصال الحكومي.
عندما نتأمل واقع الاتصال الحكومي اليوم، ونتمعن في الوقت ذاته في عبارة «إنك لا تضع قدمك في النهر مرتين» للفيلسوف اليوناني هرقليطس، الذي اشتهر برؤيته للعالم باعتباره حركة دائمة لا تعرف السكون، ندرك تماماً أن المياه تتغير، كما يتغير السياق والجمهور ووسائل التعبير، وحتى اللغة، التي نعدّها من المسلّمات، تحتاج أحياناً إلى أن تُوقظ من سباتها لتعود نابضة بالحياة.
انطلاقاً من الإيمان بهذا الفكر، تؤكد جائزة الشارقة للاتصال الحكومي، في نسخة هذا العام، رسالتها للمؤسسات والأفراد والمنظمات، وتقول لهم إن كنتم تمارسون الاتصال كما كان يُمارس بالأمس، فأنتم تسبحون في نهر لم يعد موجوداً، كما أن الجمهور لم يعد مثل السابق، فجائزة الشارقة للاتصال الحكومي تحثُ على سرعة الاستجابة لاحتياجات العصر في الاتصال الحكومي والإعلام باعتبارهما شريكين محوريين في فهم التطورات المتسارعة بوعي عام، وبلغة يفهمها الناس.
إن نجاح الاتصال الحكومي لا يُقاس بعدد التصريحات، وإنما بقدرة المؤسسة على بناء علاقة ثقة طويلة الأمد مع الجمهور خاصة في ظل تعدد المنصات وتضارب الروايات، فقد أصبح الجمهور أكثر حذراً وأقل يقيناً بالمعلومة، وأكثر تطلباً لها. وهذا ما جعل الجائزة تسعى عاماً تلو الآخر إلى تكريم المبادرات التي تفهم هذا التحول، وتُعيد تصميم أدواتها لتصبح أكثر شفافية وتشاركية ومرونة.
لم يعد التواصل من طرف واحد. وأصبح الجمهور يمتلك إرادة أقوى للمشاركة في الحوار العام، لا أن يُملى عليه فقط. ومن هنا، رأت الجائزة أن تُكافئ كل من يجيد «الإبلاغ» ويُحسن «الإصغاء» في الوقت نفسه وبتوازن يخدم أهداف الاتصال.
في عالمنا اليوم، لا يمكن الحديث عن أزمة بيئية دون أن نشير إلى أبعاد اقتصادية واجتماعية وصحية. هذا التشابك لا يترك خياراً أمام الاتصال الحكومي سوى أن يكون واعياً وشاملاً وقادراً على الربط. لذلك تدعو الجائزة عبر فئاتها إلى فتح شراكات حقيقية مع علوم الاقتصاد، والاجتماع، والسلوك، والبيئة.
كما أن الجمهور لا يمثل وحدة واحدة، بل هو فسيفساء من التوقعات واللغات والخلفيات. وهنا تأتي الجائزة لتحتفي بالذكاء الاتصالي الذي يصمم رسائل تصل بدقة وتؤثر بلغة بسيطة لا سطحية.
في نهاية المطاف، تُقاس فاعلية الاتصال بمقدار التحول الذي يُحدثه في حياة الناس وليس بعدد الحملات. وقد جاءت جائزة الشارقة لتكرم من نجح وسعى إلى أن ينقل النجاح إلى غيره، لتصبح تذكيراً سنوياً بأن الاتصال مسؤولية، وأن كل رسالة إما أن تبني جسراً وإما أن تترك فراغاً.
في هذا العالم الذي يعجّ بالضجيج، تتخطى جائزة الشارقة للاتصال الحكومي حدود الكلمة إلى عمق الأثر. هي دعوة لكل مسؤول وفرد يرى في الاتصال التزاماً، ولكل مؤسسة تدرك أن بناء الثقة لا يتحقق بلغة رسمية فقط، بل بحضور إنساني حقيقي. فما بين الفكرة والتأثير، هناك دائماً ثمرة جهود تنتظر التقدير والتكريم.
* مدير عام المكتب الإعلامي لحكومة الشارقة