لطالما كان «أبو الفنون» قريباً من نبض الجماهير وأحاسيسهم ومشاكلهم وتجاربهم ولكم عبر عن أحلامهم وطموحاتهم وكثير من الفنانين استطاعوا أن يحافظوا على تلك العلاقة بين المسرح والجمهور من خلال أعمال جمعت بين النخبوية والجماهيرية من خلال تبنيها أفكاراً وقيماً إنسانية في قوالب قد تبدو بسيطة، لكن الأهم أنها بلغة مشتركة بين الخشبة والمتلقي.
مسرحية «نهارات علول»، تأليف مرعي الحليان، وإخراج حسن رجب، هي من العلامات البارزة في مسيرة المسرح المحلي والخليجي، جمعت بين نضارة الفكرة وجمال الأسلوبية الإخراجية واحتشدت بالعديد من اللفتات والمشهديات والإحالات التي ستظل باقية في أذهان الجمهور لفترة طويلة، حيث إن فضاء العمل المكاني ينتمي إلى واقع مفتوح غير مصرح به، لكنه ينطبق على بعض البلدان سواء عربية أو غير ذلك، فهو ينفتح على الأفق الإنساني ويحيل إلى بحث البشرية عن تحقيق فكرة العدالة والعيش الكريم خاصة في العديد من البلدان الفقيرة ولئن كان الفضاء المكاني محجوب، رغم الإحالات إلى الواقع العربي، فإن الفضاء الزماني هو ممتد منذ وجود البشر على هذه الأرض.
النص اتسم تناول الواقع بشكل من صميم تفاصيل الحياة اليومية في كل مكان في الأرض، حيث تحدث عن الواقع الحياتي وكما يجري فيه من صراعات بين البشر عبر حكاية الفتى «علول»، الذي ينتمي إلى قرية من الفقراء «الصعاليك»، الذين يستيقظون باكراً ويقضون سحابة يومهم في العمل الهامشي وبعضهم يعمل على جمع العبوات الفارغة من براميل القمامة في المدينة لبيعها، أما ليلهم فهو شديد الهدوء إذ يغطون في نوم عميق نتيجة للتعب والإرهاق الشديد.
لكن حياة هؤلاء القوم لا تخلو من الأحلام بواقع أفضل وعيشة هنيئة، لكن تلك الأحلام تواجه دائماً بمصالح علية القوم وكانت اللحظة اللافتة في قصة علول تلقيه رصاصة لم تقتله في إحدى الاحتجاجات التي شارك فيها، ثم يحكم عليه بالإعدام غير أن رصاصة الجند لم تقتله مرة أخرى، فيتسرب الظن إلى البسطاء أن حكمة هي التي أجلت موت علول وأن الرجل لابد أن يكون من الأولياء وهنا يبرز البعد الصوفي والروحي في العمل.
صناعة
صناعة الفرجة كانت هي العنوان العريض لهذا العرض المتميز خاصة أن المؤلف نفسه فنان منخرط في العمل المسرحي عبر التمثيل والإخراج، مما خلق حالة من الانسجام بين عمليتي التأليف والمقاربات الإخراجية والعمل على العديد من التقنيات المسرحية، في النص الشاعري وجدت مقاربات وحلول مررت الحمولة السردية بجدارة ووظفت الحواريات المطولة وحتى الاقتباسات النصية لصالح العرض، حيث احتشد العمل بالجمل الرنانة التي جاءت على لسان الممثلين بصورة ملحمية.
جمع العرض بين نخبة من كبار الممثلين وكذلك عبرة قوة الكلمة نفسها عبر الجمل الشاعرية دون الوقوع في فخ التقريرية والحالة الهتافية الصارخة التي من شأنها أن تقلل من قيمة العمل وعلى الرغم من أن العرض لا ينتمي إلى البيئة المحلية في موضوعه وصراعاته لكن تبقى قضية الإنسان وأحلامه محل اهتمام الجمهور في كل مكان، كما أن جودة النص وعمل المخرج وأداء الممثلين كان من القوة بحيث حقق شرط الفرجة بصنع علاقة بين الخشبة والمتلقي.
حلول
قدَّم حسن رجب في هذا العرض حلولاً مبتكرة وتتناسب مع طبيعة فكرة العمل ومحمولاته واستطاع أن يوظف العلامات والإشارات والدلالات النصية دون السقوط في حالة رمزية قاتمة، فكان من ضمن خيارته لتمرير بؤس الواقع في قصة العمل، اللجوء إلى الكوميديا القاتمة الساخرة الناقدة وتوظيفها بصورة شديدة البراعة، كما كانت هناك اشتغالات متميزة على مستوى السينوغرافيا المتحركة وبقية عناصر العرض المسرحي خاصة لعبة الإضاءة التي كانت بمثابة عرض داخل العرض وكذلك كانت هناك براعة في استخدام أزياء لا تنتمي إلى بلد بل إلى الفقراء في كل مكان الذين عبر عنهم العمل دون تمجيد للفقر أو صناعة بطولة متوهمة بل شملت الحالة النقدية الجميع، كما جاء الأداء التمثيلي والحركي للمجاميع مقنعاً ومعبراً، كما قام المخرج بتوظيف خيال الظل في العديد من أوقات العرض.
نجاح
نجاح هذا العرض توج بالفوز بجائزة أفضل عرض متكامل خلال الدورة 13 لمهرجان المسرح الخليجي في الشارقة، عام 2014 وحصل مرعي الحليان على جائزة أفضل تأليف، فيما نال الفنان جاسم الخراز جائزة أفضل ممثل دور أول، وحصل المبدع حسن رجب على جائزة أفضل إخراج.