نرفض التخارج العشوائي وندعو إلى شراكة استراتيجية بين الحكومة والقطاع الخاص

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!


تابعت لجنة الاستثمار بحزب الوعي التقرير الصادر عن صندوق النقد الدولي في يونيو 2025، والذي تضمن قرار الصندوق دمج المراجعتين الخامسة والسادسة في مراجعة واحدة مقررة في خريف هذا العام، إلى جانب تأجيل صرف أي شرائح تمويلية إضافية لمصر لحين استيفاء الشروط المتفق عليها، والتي لم تُنجز وفق الجدول الزمني المتفق عليه.

وإذ تؤكد اللجنة أهمية التعاون الدولي ومتانة العلاقة المؤسسية مع صندوق النقد الدولي، فإنها تعرب في الوقت نفسه عن ضرورة الحفاظ على استقلال القرار الاقتصادي المصري، وضمان أن تكون أولويات الإصلاح نابعة من السياق الوطني ومتوافقة مع متطلبات العدالة الاجتماعية والاستقرار المجتمعي.

أولًا: ملاحظات اللجنة على تقرير الصندوق

يشير التقرير بوضوح إلى أن مصر لم تُحقق بعض المتطلبات الهيكلية الأساسية في الوقت المحدد، وعلى رأسها:
• تسريع تخارج الدولة من الأنشطة الاقتصادية.
• تحسين بيئة المنافسة بين القطاعين العام والخاص.
• زيادة الإيرادات الضريبية وتوسيع القاعدة الضريبية.
• إحراز تقدم في سياسة تحرير أسعار الخدمات والسلع.

وترى اللجنة أن تأخر مصر في تنفيذ بعض هذه البنود كان مقصودًا ومُبررًا لحماية الجبهة الداخلية من اضطرابات اجتماعية حادة، خصوصًا في ظل الأوضاع الجيوسياسية المضطربة، وارتفاع كلفة المعيشة عالميًا، والتهديدات المستمرة في المنطقة.

ثانيًا: هل الالتزام الكامل بالصندوق مفيد في هذه المرحلة؟

ترى لجنة الاستثمار أن الالتزام الحرفي بجدول زمني صارم، دون مرونة تراعي خصوصية المرحلة، قد يؤدي إلى آثار اجتماعية واقتصادية عكسية. ومع ذلك، فإن تأجيل بعض الالتزامات – رغم تخفيفه المؤقت للضغط الاجتماعي – يعكس غياب رؤية إصلاحية بديلة واضحة من جانب الحكومة، ويطرح تساؤلات حول مدى الجدية في بناء نموذج تنموي لا يعتمد على القروض المشروطة وحدها.
وفي الواقع، أتاح هذا التأجيل لمصر – ولو مؤقتًا – أن تتفادى:
المساس بدعم الغذاء والطاقة.
اتخاذ قرارات فجائية قد تُضر بالاستثمار المحلي وتُفاقم البطالة.
اضطرابات اجتماعية في وقت تمر فيه المنطقة بتقلبات حادة.
لكن هذه المكاسب المؤقتة لا تُغني عن الحاجة لإصلاح هيكلي مخطط، يُعيد بناء الثقة داخليًا وخارجيًا ويُخفّف الاعتماد على التمويل الخارجي.
 

ثالثًا: مؤشرات إيجابية رغم التحديات

رغم التعليق الجزئي للبرنامج، تشير المؤشرات الاقتصادية إلى تحسن ملحوظ في عدة جوانب. أبرزها انخفاض التضخم ليلامس ال ١٥٪؜ و زيادة احتياطيات النقد الأجنبي لتصل الي ٤٨.٥ مليار دولار كذلك زيادة تحويلات المصريين بالخارج لتبلغ ما يقارب الثلاثين مليار دولار في عشرة اشهر.

تدل هذه المؤشرات على صحة المسار الاقتصادي العام، وأن هناك إمكانية لمواصلة الإصلاح بدون تحميل المواطن أعباء إضافية، إذا ما أحسن توظيف الموارد ورفع كفاءة الأداء الحكومي؛ غير أن هذه المؤشرات – رغم أهميتها – لا تعكس بعد تحوّلاً هيكليًا في نموذج النمو، ما لم تُصاحَب بإصلاحات إنتاجية جذرية، وتراجع حقيقي في الاعتماد على تدفقات مؤقتة، سواء من أدوات الدين أو من بيع الأصول العامة.

رابعًا: توصيات لجنة الاستثمار

1. التمسك بمسار إصلاح هيكلي وطني قائم على الأولويات المحلية، وليس الاستجابة الآلية لكل متطلبات الصندوق.
2. تعزيز سياسة الشراكة بين الدولة والقطاع الخاص بدلًا من التخارج الكامل العشوائي، وتفعيل آليات وثيقة سياسة ملكية الدولة.
3. استكمال الإصلاحات الضريبية بدمج الاقتصاد غير الرسمي وتحسين كفاءة التحصيل دون فرض أعباء جديدة.
4. إعادة توجيه الدعم إلى الفئات المستحقة من خلال التحول إلى دعم نقدي تدريجي ومؤسسي.
5. الاستثمار في التصنيع والزراعة والخدمات التصديرية لتوليد موارد دولارية مستقرة ومستدامة.
6. إدارة الحوار مع صندوق النقد بروح الندية والتوازن، مع التمسك بالبعد الاجتماعي والكرامة الاقتصادية للمواطن المصري.

كما ترى لجنة الاستثمار بحزب الوعي أن مصر لا تحتاج فقط إلى تمويل جديد، بل إلى رؤية متماسكة تحقق الإصلاح دون التفريط في العدالة الاجتماعية. بالإضافة إلي أن السياسات الحالية – القائمة على الاقتراض المتكرر والتخارج غير المنظّم من الأصول العامة – أثبتت محدوديتها في بناء اقتصاد منتج ومستدام، بل عمّقت الاعتماد على التمويل الخارجي وغيّبت فرص التحول الإنتاجي الحقيقي. إن ما تحتاجه مصر ليس مجرد تمويل جديد، بل إعادة تعريف لأولويات الإصلاح، بقيادة وطنية مستقلة، تُعيد توزيع الأعباء بشكل عادل، وتربط الإصلاح بنمو شامل لا يستثني أحدًا.

وإذ نؤمن أن البرنامج الاقتصادي الناجح هو ما يحقق النمو مع التوازن، لا مجرد خفض العجز ورفع الإيرادات بأي ثمن؛ فإن لجنة الاستثمار تدعو إلى تحديث البرنامج الحالي بروح وطنية وواقعية، تضع المواطن المصري في قلب المعادلة، وتحول التحديات إلى فرص استثمار ونمو واستقرار.
 

إن حزب الوعي، كحزب معارض إصلاحي، سيظل صوتًا نقديًا مستقلًا، يدافع عن الإصلاح العادل، ويقاوم اختزال التنمية في مؤشرات سطحية أو توصيات جاهزة لا تراعي الواقع المصري المعقد.



‫0 تعليق

اترك تعليقاً