«موانئ دبي» تفتح آفاقها في طرطوس

«موانئ دبي» تفتح آفاقها في طرطوس


أحمد العمار*

يمكن وصف دخول «موانئ دبي» (دي بي ورلد) على خط الاستثمار في تطوير وتشغيل ميناء طرطوس (شمال غربي سوريا)، بأنه أكبر من مشروع وأبعد من استثمار، فهو خطوة استراتيجية جسورة ونوعية بين استثمارات ومشاريع الشركة، على كثرتها وتنوعها، لماذا، ولأية دواعٍ وأسباب، وكيف يخدم هذا الاستثمار الضخم البلدين الشقيقين، دولة الإمارات والجمهورية العربية السورية؟
إماراتياً، يضع هذا الاستثمار النوعي المجموعة بقدراتها وشبكتها العالمية المتميزة على شواطئ البحر المتوسط، فميناء طرطوس بوابة بحرية رئيسية، تصل طرق التجارة بين أوروبا وبلاد الشام وشمال إفريقيا، ما يعزز الربط الإقليمي والعالمي، على نحو أوسع وأشمل، استكمالاً لمسارات تجارية موازية، عبر مضيق البوسفور وقناة السويس.
وبالرغم من أن «موانئ دبي» تعمل في أكثر من 75 دولة، وتتعامل موانئها ومحطاتها مع 9.2% من إجمالي حركة الحاويات العالمية، إلا أن الاستثمار في طرطوس، سيكون أول دخول لها إلى البحر المتوسط، وستعمل المجموعة على استكشاف فرص استثمارية، بالتعاون مع شركاء محليين، من شأنها تطوير مناطق حرة ومراكز لوجستية وممرات عبور، ما يدعم التنويع الاقتصادي، ويعزز قطاع النقل البحري، والذي بدوره سيشكل رافعة لقطاعات النقل والشحن والسياحة وغيرها..
سورياً، لا نضيف جديداً، إذا قلنا إن البلاد التي خرجت لتوها من حرب، دامت 14 عاماً، وأجهزت على البنى التحتية والمرافق، هي في أمسّ الحاجة لتطوير ثاني موانئها، خاصة أنها تجد شريكاً استثمارياً بحجم وقدرات «موانئ دبي»، التي تدعم شبكة موانئها العالمية بشراكات فاعلة، تغطي بحار ومحيطات العالم.
وفي موازاة تطوير قطاع النقل البحري في البلاد، تتجه سوريا لدخول مرحلة تعافٍ اقتصادية وتنموية، تستدعي زيادة الإنتاج للكفاية المحلية، ومن ثم الانتقال إلى التصدير، ما يزيد الحاجة لموانئ قادرة على شحن واستقبال الحاويات المختلفة، فضلاً عن إمكانية استقبال سفن بحمولة كبيرة، وهو ما لا يوفره ميناء طرطوس حالياً، ومن الطبيعي أن تقود هذه النقلة التطويرية إلى رفع معدلات التشغيل، وخلق فرص عمل كبيرة رأسياً وأفقياً.
يعتمد هذا المشروع، الذي يستثمر 800 مليون دولار، نموذج «BOT» (البناء والتشغيل والتحويل أو الإعادة)، وهو مملوك بالكامل للمجموعة، وسيعمل على حزمة تحديثات شاملة، تضم تطوير بنية تحتية جديدة ومتطورة، وتوريد معدات حديثة لمناولة البضائع، إضافة إلى دمج أنظمة رقمية متقدمة، وتهدف هذه التحسينات إلى تعزيز الكفاءة التشغيلية في كل من محطات الحاويات والبضائع العامة داخل الميناء.
ستكون عملية إعادة تطوير الميناء شاملة، بحيث يصبح قادراً على التعامل مع أنواع متعددة من الشحنات، بما في ذلك البضائع العامة والحاويات والبضائع السائبة، وحركة البضائع المدحرجة، وصولاً إلى تطوير مناطق حرة ومراكز لوجستية وممرات عبور استراتيجية.
تجدر الإشارة إلى أن الساحل السوري على البحر المتوسط صغير نسبياً، ويمتد بطول 180 كم، وعليه ميناءان رئيسان، اللاذقية وطرطوس، وتأسس الثاني في ستينيات القرن الفائت، حيث صُمم وفق أحدث المعايير آنذاك، ويضم 22 رصيفاً بمساحة إجمالية تقارب ثلاثة ملايين متر مربع، ويعد قاعدة رئيسية للبحرية السورية، ويستقبل ملايين الأطنان من البضائع سنوياً.
وبطبيعة الحال، سيخدم ميناء طرطوس، إلى جانب ميناء اللاذقية، حركة الصادرات والواردات، التي تتخطى خدمة الاقتصاد السوري، إلى خدمة اقتصادات المنطقة وتكاملها، خاصة مع عودة تدفق البضائع وحركة الشحن، عبر سورية، بين الأردن ودول الخليج العربي من جهة، وتركيا ولبنان وأوروبا من جهة أخرى، وهذا بدوره سيزيد الطلب على الاستثمار في المرافق والبنى التحتية، لا سيما تعزيز وتطوير شبكة الطرق البرية، التي تربط دول الإقليم.
ونرى أن هذا المشروع، إلى جانب ما تعمل عليه سوريا من مشاريع تخدم قطاع النقل البحري، هي عامل محفز لدخولها عصر «الاقتصاد الأزرق»، والذي يعني الاستخدام المستدام لموارد البحار خدمة للنمو الاقتصادي، والتوسع في التشغيل وخلق فرص عمل، مع الحفاظ على حماية البيئة البحرية.
إضاءة
كانت السواحل السورية، عبر التاريخ، نشطة ومؤثرة في تجارة العالم القديم (آسيا، أوروبا، إفريقيا)، حتى أن الحوض الشرقي للبحر المتوسط عُرف تاريخياً بالبحر السوري أو البحر الشامي أو شرق البحر المتوسط، حيث لعب دوراً مهماً في التجارة والنقل والحروب، وتمازج الحضارات التي تمر عبر المنطقة العربية أو استقرت فيها.
*إعلامي اقتصادي
[email protected]



تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *