معبد سوبك.. حكاية حراسة النيل وإله الجمال

معبد سوبك.. حكاية حراسة النيل وإله الجمال


سوبك هو إله مصري قديم مرتبط بتماسيح النيل ، و يمثل إما في شكل التمساح أو في شكل إنسان برأس التمساح. اعتبره المصري القديم إلها وقائيا ضد الأخطار بصفات طاردة للشر، ارتبطت بوجه خاص مع الأخطار التي يمثلها فيضان النيل.

يحدثنا د. أشرف صبحي مدير عام آثار الفيوم في حلقة من برنامج حكاية أثر المذاع على موقع أخبار مصر عن معبدا للإله سوبك في منطقة الفيوم.

كان سوبك يعبد في الدولة القديمة، اكتسب مكانة بارزة كذلك في الدولة الوسطى، و على الأخص في عهد ملوك الأسرة الثانية عشر، وبالتحديد أمنمحات الثالث، الذي أولى اهتماما خاصا بمنطقة الفيوم، وهي منطقة ترتبط ارتباطا وثيقا بسوبك. فأمنمحات وكثير من ملوك الأسرة بنوا العديد من المشاريع لتعزيز سلطة سوبك كإله ومعظمها كانت تبنى في الفيوم.

وتعد منطقة الفيوم بأكملها كانت بمثابة مركز عبادة سوبك. و قد طورت معظم مدن الفيوم نسخها المحلية الخاصة بها من هذا الإله، وتعددت أشكالها واسمائها حيث تم استخدام التماسيح المحنطة كأغراض مقدسة.

ونتجول مع د. أشرف صبحي بين جنبات موقع أثري فريد في الفيوم، والتي كانت تعرف في العصر البطلمي باسم “مدينة التمساح” أو “كروكوديلوبوليس” نسبة لإلهها الرئيسي، ليكشف النقاب عن تاريخ حافل بالازدهار الاقتصادي والديني، على الرغم من تعرضه لأعمال تخريب ونهب عبر العصور.

تأسست هذه المدينة في القرن الثالث قبل الميلاد واستمر ازدهارها قرابة ستة قرون حتى القرن الثالث الميلادي، قبل أن تتحول إلى قرية صغيرة.

امتدت المدينة على مساحة 1200 متر طولا في حوالي 800 متر عرضا، وكانت تتميز بتخطيطها العمراني المتقاطع بشوارع رئيسية على غرار التخطيط الروماني. اشتهرت المدينة بشكل خاص بزراعة الحبوب وصناعة زيت الزيتون، وهو ما تؤكده الاكتشافات العديدة لمخازن الغلال ومعاصر الزيوت التي تم الكشف عنها. كما عثر على منازل متعددة الطوابق، يصل بعضها إلى أربعة أدوار، بتصميمات بسيطة لكنها تعكس حياة سكانها اليومية، حيث كانت الغرف الخلفية تخصص لتربية الأبناء والدواجن.

ويضيف صبحي موضحا أنه قد عملت بعثات أمريكية، منها واحدة بين عامي 1924 و1933، وأخرى من جامعة كاليفورنيا بين عامي 2004 و2015، على الكشف عن أجزاء كبيرة من المدينة. ومن أبرز هذه الاكتشافات ما توصلت إليه البعثة الأمريكية في عشرينيات القرن الماضي، حيث عثرت على أكثر من 500 بردية، بالإضافة إلى عملات وأوانٍ فخارية. وقدمت هذه البرديات ثروة من المعلومات حول تاريخ المنطقة، وحالتها الاقتصادية والسياسية، وكذلك تفاصيل الحياة الزراعية فيها.

احتضنت المدينة معبدين رئيسيين، أحدهما جنوبي والآخر شمالي. المعبد الجنوبي، والذي نال اهتماما خاصا، بني على أساس معبد سابق يعود للعصر البطلمي، وقد قامت ببنائه الكاهنة العظمى “سيندو”. بدأ ازدهاره في النصف الثاني من القرن الأول الميلادي واستمر حتى القرن الثاني الميلادي. يتميز هذا المعبد بكونه خليطا معماريا فريدا يجمع بين الطرازين المصري القديم والروماني، ومبنيا من الحجر الرملي، ثم أعيد بناؤه بالحجر الجيري.

يتبع المعبد التصميم المحوري المميز للعمارة الفرعونية، ويتضمن عدة قاعات مستعرضة وغرفا جانبية مخصصة للكهنة أو لحفظ القرابين والتماثيل. كرس المعبد لعبادة الإله سوبك، المعروف بـ”بينفيروس” أو “ذو الوجه الجميل”، والذي كان الإله الرئيسي لإقليم الفيوم. ولهذا السبب، أطلق اليونانيون على المدينة اسم “كروكوديلوبوليس”، أي “مدينة التمساح”.

من الملاحظات الهامة في المعبد، أنه بني على قاعدة مرتفعة ليكون أكثر قدسية من المباني المحيطة به، ويتجه مدخله الرئيسي من الشرق. كما كشفت الاكتشافات عن وجود “محكمة” ملحقة به، كانت تقع أمام البوابة الرئيسية، وليس كما كان يعتقد سابقا مكانا لتغذية التماسيح. داخل المعبد، كانت هناك طقوس خاصة يقوم بها الكهنة، مثل حمل تماثيل المعبود على محمل خاص عبر طريق احتفالي حتى مذبح الإله في قدس الأقداس، حيث كانت تقدم القرابين. كما وجدت حفرة خاصة كان المتعبدون يضعون فيها أمنياتهم مكتوبة على كسر الفخار أو البرديات، ليتولى الكهنة تفسيرها.

تعرضت هذه المنطقة الأثرية لأعمال تخريب ونهب واسعة النطاق على مر العصور، حيث كان السكان المحليون يستخدمون أحجار الآثار في بناء منازلهم. وعلى الرغم من هذه التحديات، تظل مدينة التمساح موقعا حيويا يسلط الضوء على عمق الحضارة المصرية القديمة وتفاعلاتها الثقافية عبر العصور.



تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *