مصر تتصدى لمخطط إسرائيل لنقل سكان غزة من أماكنهم

مصر تتصدى لمخطط إسرائيل لنقل سكان غزة من أماكنهم


خطة الصهاينة بتجويع الغزاويين هدفها التخلص منهم

يتعرض سكان قطاع غزة لحملة تجويع منظمة من جانب الكيان الصهيونى، ضمن خطة شاملة لتهجيرهم من القطاع قسريا عبر استخدام آلة القتل اليومية والتى حصدت أكثر من ستين ألف شخص حتى الآن، وترفع بعض التقديرات هذه الأعداد إلى أكثر من سبعين ألف شهيد بينهم عشرة آلاف تحت الأنقاض منذ شهور.

وكى تكتمل خطة العدو الصهيونى فإنه لا بد من تهجير سكان ووسط قطاع غزة إلى جنوبه تمهيدا للتهجير القسرى إلى خارج القطاع، فإن حكومة بنيامين نتنياهو أعلنت عن إقامة “مدينة الخيام” فى منطقة رفح لإيواء ستمائة ألف فلسطينى بذريعة إقامة “مدينة إنسانية” وهى ذريعة معروفة للجميع فهدفها دفع هذه الجموع إلى اقتحام الحدود المصرية فى مرحلة لاحقة.

“مدينة الخيام” أولى خطوات التهجير

يقول المحلل السياسى الفلسطينى الدكتور ماهر صافى إن ما يسمى بـ”مدينة الخيام” أو “المدينة الإنسانية” ليس إلا محاولة التفافية جديدة من جانب الاحتلال الإسرائيلى تستهدف إجبار الفلسطينيين فى قطاع غزة على النزوح من شمال القطاع ووسطه باتجاه جنوبه ومن ثم حشره على الحدود بين القطاع ومصر فى المدينة المزعومة فى خطوة أولى لدفعه لتجاوز الحدود مع مصر ودخول سيناء لتقام بعد ذلك مخيمات ضخمة يقيم فيها الفلسطينيون.

وأضاف ماهر صافى أن الاحتلال يهدف من وراء ذلك إلى تفريغ القطاع من سكانه والتخلص تماما من أى خطر بشأنه وإجهاض حلم إقامة دولة فلسطينية، فضلا عن تصدير عبء القطاع من النواحى الإنسانية والسياسية والأمنية إلى مصر ضاربا بكل القوانين والأعراف عرض الحائط.

وأوضح إنه منذ اللحظة الأولى للعدوان على غزة كان الموقف المصرى حاسما وحازما فلم يقبل الوقوف فى أى مساحة رمادية فيما يخص تهجير الفلسطينيين بل اعتبرت القيادة المصرية وفى تصريحات واضحة لا لبس فيها أن هذا التهجير ظلم لم ولن تشارك فيه مصر أبدا، بل إن واجبها هو مقاومة وصده وهو ما كان بالفعل إذ ورغم كل الضغوط التى مورست على مصر لم ترضخ مصر لهذه الضغوط.

وأشار ماهر صافى إلى أن مصر وفى إطار ردها القوى على هذه الضغوط أكدت أن موقفها السياسى هو انعكاس لموقف شعبى صلب رافض لعملية التهجير فخرجت الجموع الشعبية من مختلف الأطياف والفئات العمرية متجهة لسيناء للمشاركة فى فعاليات تضامنية مع الفلسطينيين ومع موقف الحكومة المصرية الرافض لعلمية التهجير وهو ما دفع الاحتلال والمجتمع الدولى للتراجع ولو لحين عن الخطة المشئومة. مضيفا أنه فى تقديرى أن كل ما يخطط له الاحتلال يأتى بضوء أخضر أمريكى.

 دعم أمريكى لا محدود لإسرائيل

دلل ماهر صافى على ذلك بأن تصريحات دونالد ترامب حول التهجير وإخلاء غزة كانت الأسبق على ما أعلنه قادة الاحتلال بشأن عملية التهجير بل إن تصريحاتهم جاءت داعمة لما قال به ترامب أولا وعليه فإننا يجب ألا نراهن على موقف أمريكى مغاير فى حقيقته لما يريده الاحتلال بل لابد أن نتملك خطة بأدوات للمواجهة.

ولفت إلى أن مخطط “مدينة الخيام” يعكس قدرا من خبث الاحتلال فهو يريد استغلال التهدئة المفترضة على خلفية معاناة إنسانية كبيرة من أجل تثبيت وترسيخ الواقع الجديد المتعلق بدفع الفلسطينيين بعيدا عن شمال ووسط القطاع فيما ستبدو أى جهة تعمل على تعطيل هذا الإجراء وكأنها المتسبب فى تفاقم المعاناة واستمرار أوضاع الفلسطينيين على ما هى عليه.

وأكد ماهر صافى أن هدف الاحتلال الأول من مفاوضات الهدنة فى الدوحة هو تحقيق انتصار يتمثل فى إظهار المقاومة الفلسطينية وقد فشلت فى تحقيق أى مكاسب من وراء هجوم السابع من أكتوبر، كما أن المقترح الأمريكى للهدنة يسمح للاحتلال باستئناف الحرب متى يريد، وهو الهدف الذى لا نشك فى أن المفاوضين الفلسطينيين فضلا عن الوسطاء مصر وقطر يدركانه بشكل جيد، ويعملان على إحباطه.

وشدد أن مصر قدمت وما تزال من أجل القضية الفلسطينية كل ما بوسعها ووفق إمكانياتها إلا أن مخطط “مدينة الخيام” يشكل خطرا كبيرا على الأمن القومى المصرى، فهذا المخطط ينهى القضية الفلسطينية، فضلا عن أن نقل أكثر من مليونى مواطن فلسطينى إلى مصر له تداعيات اجتماعية خطيرة.

وفيما يتعلق بحرب التجويع يقول ماهر صافى إن القوى الدولية لن تتخذ خطوات قوية لوقف جرائم الاحتلال ضد سكان غزة إلا إذا استشعرت هذه القوى أن هذه الجرائم يمكن أن تهدد مصالحها فى المنطقة، غير ذلك فإن مشاهد آلاف الجوعى قد تحرك الشارع الغربى لكنها لن تؤثر كثيرا فى مواقف الدول الكبرى التى تدور فى فلك إسرائيل. كما أن المنظمات الدولية عاجزة تماما عن تقديم شئ ذى جدوى للفلسطينيين، وإن كانت هذه المنظمات قد أصدرت بيانات الشجب والإدانة والرفض للانتهاكات الإسرائيلية، وربما أسهمت فى الكشف عن حجم المآسى التى يتعرض له سكان غزة.

 موقف مصرى رافض

ويقول الخبير فى الشئون العربية أسامة الهتيمى إن التصريحات الصادرة من المستويين السياسى والعسكرى داخل الكيان الصهيونى حول ما يطلق عليه “المدينة الإنسانية” والتى تهدف إلى “حشر” 600 ألف فلسطينى داخل مساحة صغيرة بمدينة رفح تمهيدا للتهجير القسرى، هى تنفيذ لمخطط نتنياهو الذى أعلنه فى بداية الحرب وهو احتلال كامل قطاع غزة وإجبار سكانه على النزوح.

وأضاف إن الخطة الإسرائيلية هدفها تهجير سكان غزة قسريا إلى سيناء، وهو مخطط تدرك مخاطره الدولة المصرية وجاء الرد عليه حاسما على لسان الرئيس عبدالفتاح السيسى فى بداية الحرب، وهذا الرفض المصرى القاطع لهذا المخطط هو الذى أجبر ترمب على التراجع عن تصريحاته بشأن ترحيل سكان القطاع، ونقلهم إلى مصر والأردن. لكن الرد المصرى وحديث الرئيس عبدالفتاح السيسى لم يترك مجالا لترديد هذه الدعوات، فمصر رفضت بشكل قاطع فكرة تهجير سكان غزة، مؤكدة على ضرورة حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية.

 ضوء أخضر أمريكى

أوضح أسامة الهتيمى أن مخطط “مدينة الخيام” لا يمكن أن تتبناه حكومة مجرم الحرب نتنياهو دون ضوء أخضر أمريكى، وهى مخطط خبيث هدفه إلقاء مليونى فلسطينى خارج أرضهم وإلقاء مسئوليتهم على الدول العربية المجاورة. وتأتى الخطوة الأولى لهذا المخطط بالتزامن مع الإفراج عن أسرى فلسطينين فى السجون الاسرائيلية وإدخال المساعدات وفتح المعابر وانسحاب الجيش الاسرائيلى من المناطق التى احتلها فى مارس 2025، كى يبدو الأمر وكأنه مخطط إيجابى لصالح السكان.

وأوضح إن مقترح “مدينة الخيام” هى آخر شروط نتنياهو التعجيزية لعرقلة التوصل إلى هدنة فى قطاع غزة، وهو يدرك جيداً أن هذه الخطوة حال تحقيقها سيكون قد وصل إلى نصف الطريق فى مخطط تهجير الفلسطينيين قسريا، لكنه يدرك جيدا أن مصر لن تقبل بتمرير هذا المخطط لأنه يضر بالأمن القومى المصرى والعربى.

وفيما يتعلق بحرب التجويع التى يخوضها العدو الصهيونى ضد أهالى غزة يقول أسامة الهتيمى إن الشعب الفلسطينى يتعرض لجميع أنواع الإبادة الجماعية من خلال حرب التجويع ثم استهداف المجوعين من أجل تنفيذ الهدف الرئيسى وهو التهجير من خلال عدم السماح بدخول الدواء الغذاء والمساعدات واستهداف محطات المياه وقصف لمناطق توزيع المساعدات وتحويلها إلى مصائد للموت. بينما تكتفى كثير من المنظمات الحقوقية الدولية بتوثيق الانتهاكات التى يرتكبها الاحتلال الإسرائيلى ضد الفلسطينيين لأنه ليس لديها سلطات تنفيذية، كما أن هذه المنظمات تتعرض لضغوط كبيرة من إسرائيل والإدارة الأمريكية.

 التهجير مخطط قديم

ويقول الكاتب فى الشؤون الإسرائيلية والباحث بمركز الدراسات الإسرائيلية بجامعة الزقازيق الدكتور خالد سعيد إنه منذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة فى السابع من أكتوبر 2023، وهناك مخطط صهيونى واضح الأركان، وهو مخطط قديم وسابق على هذه الحرب، وكان ينتظر التوقيت فحسب، وكلما مرت أيام الحرب كانت حكومة نتنياهو تؤكد ذلك سرا أو جهرا، وجاء الرئيس الأمريكى دونالد ترامب وأعلن المخطط الإسرائيلى بكل صراحة، والحديث الإسرائيلى الحالى عما يسمى بـ”مدينة الخيام” ما هو إلا واجهة جديدة للتهجير القسرى للفلسطينيين. لكن هذا المخطط اصطدم بموقف مصرى قوى، ورد مصر كان واضحا منذ اليوم الأول للحرب على غزة، وهو الرفض التام لأى سيناريوهات للتهجير القسرى للفلسطينيين، والتأكيد الدائم على أن غزة أرض فلسطينية للفلسطينيين وحدهم ولا يمكن القبول بأى حلول تتعلق بشأن هجرة الشعب الفلسطينى من أراضيه فى القطاع.

ووأضاف أن الرئيس السيسى يؤكد دوما أن مصر لم ولن تقبل بأى تهجير للفلسطينيين، وأن الحل الوحيد للقضية الفلسطينية هو “حل الدولتين” وإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967.

وشدد خالد سعيد على أنه لا يمكن لإسرائيل الإعلان عن هذا المخطط الإجرامى إلا بضوء أخضر من الإدارة الأمريكية، بدليل أن ترامب نفسه هو من أعلن عن “ريفيرا الشرق الأوسط فى غزة”، وأنه هو بنفسه وإدارته سيشرف على ذلك، ثم تراجع رويدا رويدا أمام الموقف المصرى الرافض لهذا المخطط، لكن هذه الإدارة وسابقتها بقيادة ترمب قدمتا كل الدعم المادى والمعنوى لإسرائيل فى حربها على غزة جاء منذ اليوم الأول للحرب وما يزال هذا الدعم يتواصل ويثبت أن واشنطن هى الرئة الحقيقية لدولة العدو الصهيونى.

وأوضح أن هناك رغبة أمريكية إسرائيلية فى إلقاء عبء الشعب الفلسطينى على مصر ومحاولة إدخالها فى ملف التهجير بأى شكل، وإقامة “مدينة الخيام” أو ما يدعى بـ”المدينة الإنسانية” ستقام على الحدود المصرية، ما يعنى دفع وإجبار الفلسطينيين بمرور الوقت على اقتحام الحدود المشتركة مع مصر، وليس له علاقة باتفاق وقف إطلاق النار فى غزة، لأن مخطط التهجير هو مخطط مطروح وسيبقى ولكن مصر والشعب الفلسطينى سيقفون خطا واحدا ضده بكل ما أوتوا من قوة.

 الجيش الإسرائيلى يرفض استمرار الحرب

أشار خالد سعيد إلى أنه كلما اشتد عضد المقاومة الفلسطينية وكبدت الجيش الإسرائيلى خسائر فادحة فى العتاد العسكرى والأرواح كلما اقتربت الهدنة، والجانب الإسرائيلى هو الذى اخترق الهدنة السابقة فى 18 مارس الماضى، قبل انتهاء المرحلة الأولى من تلك الهدنة، آنذاك، والوضع حاليا مختلف لأن إسرائيل فى حاجة ماسة إلى وقف الحرب، نتيجة لإن هناك إنهاك واضح لجنودها فى غزة، رغم الدعم الدائم والمتواصل من واشنطن، لكن الجيش الإسرائيلى لم يعد مهتما باستكمال الحرب فى غزة، وفى حالة معارضة حقيقية وواضحة مع القيادة السياسية بشأن استكمال تلك الحرب.

وعن تجاهل القوى الدولية لأزمة غزة يقول خالد سعيد إن اهتمام المجتمع الدولى بما يجرى فى القطاع قد تراجع بعد عدم تقديم قادة الكيان الصهيونى للمحكمة الجنائية الدولية رغم قرارتها ضد قادة إسرائيل، بل على العكس واصل العدو الصهيونى حربه ضد المدنيين فى القطاع. كما أن التدخل الأمريكى الواضح فى الحرب سواء بالمساعدات العسكرية المعلنة أو بالدعم المعنوى عبر استخدام الفيتو فى مجلس الأمن أحبط أى محاولات دولية لوقف الحرب.

ولفت خالد سعيد إلى أن المجتمع الدولى يتحرك عندما تكون هناك أزمة إنسانية فى أى دولة أوروبية أو غربية، لكنه يعتبر الشعب الفلسطينى من كوكب آخر لأنه من العالم الثالث، رغم المجازر البشعة واليومية والمعلنة والمنشورة علنا وبشكل مباشر على مرأى ومسمع من الجميع والتى آخرها حملة تجويع ممنهجة غير مسبوقة فى التاريخ الحديث. كما أن تنديد المنظمات الحقوقية بحالة “تجويع” الشعب الفلسطينى مستمرة، لكن دون جدوى حقيقية.



تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *