مثال على تجاوز العميري في قضية التوطين

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!


كاتب المقال: د.عصام الشاوي

من المبادئ المستقرة في الفقه الدستوري أن الاختصاصات المنصوص عليها في المادة (٩٣) من دستور جمهورية العراق لعام ٢٠٠٥ تُعد اختصاصات حصريّة للمحكمة الاتحادية، ولا يجوز توسيعها أو الاجتهاد خارج حدودها، وإلا عُدّ ذلك تغولاً على الدستور وإخلالاً بمبدأ الفصل بين السلطات. وبالمقدار نفسه، فإن أي حكم قضائي تصدره المحكمة يجب أن يكون نهائيًا وباتًا وملزمًا، ولا يجوز لرئيس المحكمة الاتحادية أن يتصرّف في منطوقه أو يُعدّله من تلقاء نفسه.

خلال رئاسة جاسم العميري للمحكمة الاتحادية، شهدت المحكمة سلسلة من الخروقات غير المسبوقة، كان أخطرها تجاوز رئيس المحكمة على الأحكام القضائية الصادرة من المحكمة ذاتها، والتي يرأسها، في سابقة تنسف أحد أهم أركان الشرعية القضائية.

ولعل أبرز الأمثلة على هذا الانحراف ما وقع في الدعوى المرقمة (٢٢٤ وموحدتها ٢٦٩/اتحادية/٢٠٢٣)، والتي صدر فيها حكم بتاريخ ٢١ شباط ٢٠٢٤، يلزم الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان بـتوطين رواتب موظفي الإقليم لدى المصارف الحكومية الاتحادية العاملة خارج الإقليم، مع تنظيم آليات التنفيذ والتنسيق المالي المباشر مع وزارة المالية الاتحادية دون الرجوع إلى ممثلية الإقليم. كان منطوق الحُكم صريحًا في استبعاد المصارف المحلية أو المجازة داخل الإقليم من عملية التوطين

لكن بعد مرور أكثر من أربعة أشهر على صدور الحكم، وجّه رئيس المحكمة السابق جاسم العميري كتابًا رسميًا بتاريخ ٣ تموز ٢٠٢٤، بالعدد (١١١/ت.ق/٢٠٢٤/١٤٠٥) إلى حكومة إقليم كردستان، قرر فيه أن التوطين المشار إليه في الحكم يشمل أيضًا المصارف المجازة من قبل البنك المركزي وفروعه داخل الإقليم! وهكذا أقدم على تعديل منطوق حكم بات وملزم من دون سند دستوري أو قانوني.

تجاوز العميري في موضوع تفسير وتعديل منطوق الحكم القضائي الصادر في الدعوى أعلاه، حيث قرر – خلافًا لنص الحكم – شمول المصارف المجازة داخل الإقليم بعملية التوطين، في حين أن ذلك ليس من اختصاصه، لأن تفسير الأحكام القضائية لا يدخل ضمن مهام رئيس المحكمة، ولا يملك أي سلطة قانونية أو دستورية لتعديل منطوق حكم بات وملزم.
 
ما قام به العميري يمثل انتهاكًا مزدوجًا:
أولاً،
انتهاك لمبدأ حجية الأحكام القضائية، الذي يُعدّ من المبادئ الأساسية لاستقرار النظام القضائي.

ثانيًا، تجاوز لاختصاص المحكمة نفسها المنصوص عليه في المادة (٩٣) من الدستور، إذ أن تفسير الأحكام القضائية أو تعديلها لا يرد ضمن اختصاصات المحكمة، فضلًا عن عدم وجود أي نص يجيز لرئيسها إصدار تفسيرات منفردة.

هذا الفعل يُعد من الناحية الدستورية قرارًا معدومًا، لصدوره من جهة غير مختصة، فضلًا عن كونه يشكل تجاوزًا جسيمًا للسلطة يستوجب المساءلة القانونية، ويكشف عن الخلل العميق الذي رافق إدارة المحكمة في عهد جاسم العميري، حين تحولت سلطة القضاء الدستوري إلى أداةٍ لإرادة فردية تُصدر الأحكام وتفسّرها أو تُلغيها وفق المزاج.

هذه الواقعة ليست سوى الحلقة الأولى من سلسلة طويلة من المخالفات التي ارتكبها جاسم العميري خلال رئاسته للمحكمة، والتي سيتم توثيقها تباعًا في هذه السلسلة.



‫0 تعليق

اترك تعليقاً