
د. على مبارك: جيل «السوشيال ميديا» انشغل بالحياة اليومية والبحث عن القرش
د. خالد سعيد: يجب أن نلتمس العذر لهذا الجيل
د. عاصم الدسوقى: قصور معرفة الشباب الحالى بالتاريخ الوطنى له عدة أسباب
رغم مرور أكثر من سبعين عامًا على ثورة 23 يوليو 1952، فإن تحديات تلك الحقبة لا تزال تُلقى بظلالها على واقعنا الحالى، خاصةً فيما يخص دور الشباب، الذين كانوا وقود الثورة وروحها، وهم اليوم عماد مستقبل الوطن.
لا شك أن هناك اختلافا بين جيلٍ عاش لحظات النصر بدمائه، وجيلٍ يتنفس العالم عبر شاشة الهاتف، تلك الثورة التى غيّرت مصير الوطن وأسست الجمهورية الجديدة.
يقول “زياد محمد عرفة”- طالب بالفرقة الثالثة كلية التجارة جامعة عين شمس: منذ صغرى، وأنا أشاهد ذكرى ثورة 23 يوليو تتردد فى أعمال تليفزيونية، والاحتفالات السنوية الخاصة بها التى تُعرض على شاشات التليفزيون، كذلك فى نشرات الأخبار والأفلام الوطنية التى جسّدت هذه الثورة بصورة مشرفة وعظيمة، وأنا كشاب مصرى، أفخر بتاريخ بلادي، وأشعر بالاعتزاز بكل من أسهم فى كتابة هذه الصفحات المضيئة. ولو كنت عشت فى تلك المرحلة، لتطوعت دون تردد، فقط لأشعر أننى أسهمت بشيء يشرّف وطنى ويرفع من معنوياتي، أقول بكل حب “شابو” لحركة الضباط الأحرار الذين رفعوا راية الوطن عاليًا، وغيّروا مجرى التاريخ بإرادتهم وصدق نواياهم.
أما “إياد سالم”- طالب بالفرقة الأولى لغات شرقية جامعة القاهرة فيقول: بصراحة أنا لا أعلم شيئا عن الحياة الماضية، ولكنى أعتز بأننا حققنا النصر، وعندما شاهدت فيلم أحمد زكى “ناصر ٥٦” أدركت أننا لا نخاف من أى عدو، وربنا يحفظ مصر وتظل قويه بقائدها الرئيس عبد الفتاح السيسى وشعبها العظيم .
بينما يقول “فاروق يوسف” طالب بالفرقة الثانية تجارة خارجية، جامعة حلوان: جدى دائما كان يذكرنا بثورة ٥٢، وكان يصر على أن يعرفنا بها -أنا وإخوتى- بسرد حكايات مسلية، لدرجة أننا كنا نسرح بخيالنا فى تلك الفترة وكأننا نعيش فيها، كما أنه كان فخورا بها لأقصى درجة ويخبرنا أن الثورة أخرجت رجالا أشداء يصبرون وكلهم صمود وعزم وقوة، وكم تمنيت لو أننى عشت فى هذه الفترة من كثرة ما أحببتها.. نحن بالفعل لم نحضرها لكننا نعيش ما حققته لنا حاليا.
“شرين جمال” طالبة بالفرقة الثالثة حقوق القاهرة تقول:
بما أن دراستى تعتمد على كم كبير من المواد أدركت أنه الحمد لله كانت فى مصر الكثير من النماذج المشرفة لتضمن لها الخروج من قمقم الاستبداد بالتحولات الهامة.. وبتأسيس الجهمورية بعد فترة عصيبة من أخذ النفس العميق قضت فيها مصر على النفوذ البريطانى وحققت الاستقلال، ومن العيب أننا كمصريين لا يكون لدينا علم بهذا الإنجاز العظيم بدون أى دراسة.. فيجب أن ندركه منذ طفولتنا من جانب الأسرة، والمدرسة بالطبع لها دور كبير فى غرس المعرفة.
وتضيف “نور كريم” بالفرقة الخامسة طب أسنان جامعة القاهرة: معروف أن ٢٣ يوليو حركة عسكرية مصرية حدثت من أجل الخروج على الاستبداد لتحقيق العدل والأمان، والأرجح أن كل معاناة وخراب نخرج منه بعد عذاب ليصبح ذكريات نعلمها للأجيال التى تكمل بعدنا، ولابد أن نعتمد على عدة عوامل، أهمها التعليم والثقافة والقراءة الجيدة، لكن التناول أحيانًا يكون سطحيًا، مما يجعل بعض الطلاب لا يشعرون بقيمتها أو لا يتفاعلون معها بعمق، بعكس بعض الشباب المهتمين بالتاريخ يكون لديهم معرفة جيدة بالثورة ونتائجها، خاصة أنها غيرت شكل الحكم فى مصر وأثرت على الوطن العربى ككل.
يرى المؤرخ الدكتور “عاصم الدسوقي” أستاذ التاريخ الحديث المعاصر بجامعة حلوان، أن قصور معرفة الشباب الحالى بالتاريخ الوطني، وخاصة بتاريخ ثورة 23 يوليو 1952، يرجع إلى عدة أسباب تاريخية وتعليمية وثقافية متراكمة من أبرزها: تغيّرات ما بعد عبد الناصر رغم أن الرئيس أنور السادات كان من أبناء الثورة، فإن الخطوات التى اتخذها بعد نصر أكتوبر لم تكتمل فى سياقها الثوري. فبعد ثورة يوليو، عرضت أمريكا على عبد الناصر الانسحاب من سيناء، لكنه رفض وأطلق مقولته الشهيرة:
“ما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة”، وبدأت حرب الاستنزاف، بينما تبنّى السادات سياسة “الانفتاح” والمصالحة، والتى لم تكن كافية لترسيخ العدالة الاجتماعية، كما كانت فى فكر يوليو، ركزت على مشكلات العدالة الاجتماعية بعد الثورة أول قرارات الثورة شملت قوانين الإصلاح الزراعى التى قضت بتوزيع الأراضى على الفلاحين، لكن الواقع كان مختلفًا؛ إذ لم يحصل كثير من الفلاحين على ملكية قانونية حقيقية، وظلوا يدفعون الإيجار للدولة، رغم محاولات عبد الناصر لتحقيق العدالة، فإن بعد 5 سنوات من الثورة، بدأت تظهر أزمات اقتصادية كالتقليل من عدد العمال داخل الشركات، وتسريح الكثيرين دون ضمانات أو تأمينات.. تحولات اقتصادية وسياسية لاحقة بعد وفاة عبد الناصر، تم الاستغناء عن العمال فى نوفمبر 1952، ما تسبب فى حالة “فصل تعسفي” واسعة، كما جاءت اتفاقية كامب ديفيد (1978) وما تبعها من قرارات اقتصادية قاسية، مثل رفع أسعار السكر والشاي، مما أشعل احتجاجات 17 و18 يناير، تم التخلى عن القطاع العام والاعتماد على القطاع الخاص، مما عمّق الفوارق الاجتماعية والاقتصادية، خاصة فى حكم الإخوان، والذى وصفه بأنه حكم “طائفى رأسمالي”.
ويضيف: إن غياب المعرفة بالتاريخ يعنى غياب الفهم العميق للواقع. فالشباب الآن يعرفون تاريخ ألعاب أو مشاهير أكثر من معرفتهم بتاريخ وطنهم، فكيف نعالج ضعف معرفة الشباب بتاريخهم للتغلب على هذا القصور، أقترح تطبيق استراتيجية شاملة تشمل إصلاح التعليم مع تسليط الضوء على تطوير مناهج التاريخ لتكون ممتعة وجذابة، باستخدام القصص الحقيقية، والشهادات الحية، والوثائق المصورة مع ربط التاريخ بالحاضر.. مثلا يمكننا أن نوضح كيف أثرت ثورة يوليو على مجانية التعليم والعدالة الاجتماعية ونركز بشكل كبير على أهمية دور الإعلام والمنصات الرقمية لكى نصنع محتوى مرئيا تفاعليا وأفلاما قصيرة من فيديوهات وبودكاست موجه للشباب على منصات مثل يوتيوب وتيك توك بالتعاون مع مؤثرين على السوشيال ميديا لنشر التاريخ بطريقة مبسطة وشيقة، إلى جانب العمل على طرح أنشطة تفاعلية والقيام بزيارات ميدانية وتوسيع دائرة تنظيم رحلات للمواقع التاريخية، مثل متحف جمال عبد الناصر أو قصر عابدين وإقامة أندية تاريخية فى المدارس والجامعات وعمل محاكاة لأحداث تاريخية مثل خطاب عبد الناصر أو اتفاقية الجلاء، والاهتمام بتنشيط مبادرات شبابية وتوثيقية لدعم مسابقات لكتابة مقالات وقصص مستوحاة من التاريخ، بالإضافة إلى إقامة لقاءات حوارية بين الشباب وكبار السن لتوثيق شهاداتهم عن الأحداث الوطنية.
ايضا عمل مزج ما بين الفن والتاريخ لتسهيل عملية توصيل الرسالة بإنتاج أفلام ومسرحيات مدرسية وشبابية عن أحداث مفصلية، والعمل على تشجيع أغانٍ وطنية حديثة تروى التاريخ بلغة العصر، حتى تكون هناك روح اتصال بإنجازات ثورة 23 يوليو التى أشعلها الضباط الأحرار بقيادة اللواء محمد نجيب وجمال عبد الناصر، بهدف إنهاء حكم الملك فاروق والاستعمار البريطاني، والقضاء على الفساد والظلم الاجتماعى بتوزيع الأراضى الزراعية على الفلاحين وتأسيس جيش وطنى قوى وبإعلان الجمهورية بدلًا من المملكة.
دكتور “على مبارك ” الخبير الإعلامى يقول: يعيش الشباب بين تحديات الواقع وقصور الوعى التاريخي، وللأسف يعانى كثير من شباب اليوم من ضعف شديد فى معرفتهم بتاريخ بلدهم، سواء عن ثورة يوليو 1952، أو حرب أكتوبر 1973، أو حتى ثورة 25 يناير 2011. والسبب الرئيسى فى ذلك أن اهتمام أغلبهم ينصبّ على الجانب الاقتصادى فقط، حيث يسعى الشاب لتأمين لقمة العيش والإنفاق على نفسه وأسرته، فى ظل ظروف معيشية صعبة وضغوط متزايدة. وعلى ما أذكر أنى حضرت مؤخرًا ندوة فى مكتبة الإسكندرية، ولفت نظرى سؤال طرحه أحد الشباب، حيث قال”هو مش إسرائيل انتصرت فى حرب أكتوبر؟” كان سؤاله صادمًا، ليس فقط لأنه غير دقيق، بل لأنه يعكس غيابًا حقيقيًا فى الوعى والمعرفة بتاريخنا الوطني. وكان ردى “لو كانت إسرائيل انتصرت فعلًا، ما كنا رفعنا العلم على أرض سيناء! نحن جيل سابق لم نعش أحداث ثورة يوليو أو حرب أكتوبر، ولكننا قرأنا عنها وتعلّمنا منها واهتمامنا بالبحث والمعرفة كان على مستوى عالٍ من القراءة، نحن جيل الجرائد أما جيل “السوشيال ميديا” فانشغل بالحياة اليومية والبحث عن القرش، وأصبح بعيدًا عن الثقافة والهوية والتاريخ. ولذلك أرى أن الحل يكمن فى تكاتف كل مؤسسات الدولة.. فالمدرسة يجب أن تعيد للأنشطة الثقافية والتاريخية دورها، ووزارة الثقافة ينبغى أن تفعّل الندوات والمعارض والجولات التعليمية، ووزارة الشباب عليها أن تربط الشباب بتاريخهم من خلال برامج تفاعلية وملتقيات وطنية بمصاحبة عين وسائل الإعلام، ولابد أن تقوم بدورها فى رفع الوعي، بعيدًا عن الترفيه فقط.
دكتور “خالد سعيد ” الخبير السياسى والباحث فى الشؤون الإسرائيلية يقول: فى البداية طبعا يجب توضيح أن الجيل الجديد كله معذور لأنه فى الحقيقة لم يعاصر أحداث ثورة ٥٢، وكل الحديث عنها عبارة عن قراءات من كتب تاريخ أو دراسة تاريخية ويسمع نماذج منها فقط فى الاحتفالات التاريخية، ولم يعاصروا الأحداث التى نشأنا عليها، لذا من الطبيعى ألا يدرك قيمة ثورة يوليو، لأن الجيل الجديد كله جيل وسائل التواصل الاجتماعى والفيسبوك وتيك توك، يتواصل عبر وسائل الإنترنت وليس عبر الدورس التاريخية التى تقدمها الثورات والانتصارات المستفادة ومنها مثل ثورة يوليو، إنما التاريخ الحاضر هو عبارة عن نتاج للماضى يجب أن نستفيد منه بقدر الإمكان مثلما نستفيد من ٣٠ يونيو و٢٥ يناير، وكل هذه الثورات لابد أن نستفيد منها ونحيا عليها لأنها تعطينا دافعا قويا ورؤية استشرافية للمستقبل.
أما دكتور ” احمد داوود “اخصائى نفسى لتعديل السلوك فيقول: المشكلة ليست فى الشباب، بل فى غياب التأسيس بالمرحلة الابتدائية، فكل من اللغة والتاريخ وجهان لهوية واحدة، فإذا انهارت اللغة ضاع التاريخ وإذا ضاع التاريخ ضاع الوطن، ولأن التاريخ لا يُدرّس بطريقة جذابة أو شاملة والشباب لا يتعرفون على تاريخهم إلا متأخرًا، وربما من خلال الأفلام لا الكتب أو المناهج، فهنا تحدث كارثة بسبب فقدان اللغة العربية الفصحى وانتشار لغة غريبة وهجينة هى نتاج لغة الشارع بالبلطجة، مما أدى لعدم اعتزاز الأجيال بلغتهم وفقدان الهوية اللغوية والثقافية.
ويكمل: من الضرورى أن نرتكز على الرسالة التى توجه من القدوة الحسنة؛ ففى الدراما كان يعرض للفنان محمد صبحى مسلسل اسمه “عائلة ونيس” أعماله تقدم وعيا وتربية مجتمعية، كان يعلم الآباء مع أولادهم كيف يكون المجتمع مبنيا على أسس وقواعد سليمة بفكر مستنير، ونحتاج تضمين التاريخ الحديث بشكل كافٍ فى المناهج الدراسية مع وجود خطاب تاريخى موحد يربط بين الأجيال، أيضا تأثير وسائل الإعلام واستخدام التكنولوجيا لتوظيف وسائل التواصل الاجتماعى والمواقع الإلكترونية لنشر المعلومات التاريخية بشكل مبسط ومشوق.
ويضيف: من ضمن أدوات المعالجة إدخال ورش تربوية للمعلمين عن ربط اللغة بالهوية والانتماء، وتكون هناك أيضا رقابة على المحتوى الهابط لإنتاج مسلسلات تحاكى روح ونيس أو الأيام لطه حسين.. وتخصيص أسبوع فى القنوات لعرض أفلام ومسلسلات وطنية توعوية بلغة سليمة.. بذلك نساعد فى تعزيز فهم الشباب لجميع الانتصارات وليست لثورة يوليو وأهميتها فقط، هذا يثمر باستغلال السوشيال ميديا أون لاين بشكل إيجابى بتفعيل ورش تثقيفية توعوية عن التاريخ المصرى على مستوى الأجيال.. فكل يوم نتعلم شيئا جديدا للتوعية وتعزيز الانتماء للوطن بطريقة مبسطة وجذابة .
د. “ناهد عبد الحميد” كلية آداب اجتماع عين شمس تقول: حضارتنا المصرية فخر التاريخ وذاكرة الوطن؛ لذا نحتفى اليوم بكل اعتزاز بذكرى 23 يوليو المجيدة التى عملت حراكا اجتماعيا قويا بروح الشباب، وأرى أن الشباب فى فترة عبد الناصر اتصف بشباب المهمة لبناء مجتمع خالٍ من التعقيدات.. فى لحظة الاشتباكات الشباب استطاع أن يصنع تاريخا، فى عصرنا هذا وجدنا فجوة بين الجيل الحالى والآخر فى اللغة والمحتوى وتطوير القراءة لديهم، وتوفير وسائل معرفة تخاطب الجيل الجديد حتى يتوافق مع تاريخ وطنه، لأن أكثر شىء أصبح يشغلهم هو الأغانى والانشغال فى فيديوهات التيك توك واليوتيوب الذى أثر عليهم تأثيرا قويا. لأن الثورة لم تغيّر فقط وجه مصر، بل أثّرت فى العالم وقلبت موازينه، فقد قام بها الجيش وحماها الشعب، لتصبح رمزًا للكرامة الوطنية والعدالة.. عرفت ثورة 23 يوليو كثورة للفن والثقافة، كما شهدت ميلاد مؤسسات وهيئات ثقافية لا تزال تُثرى الحياة الفكرية والفنية حتى يومنا هذا. وقد اقترن اسم الثورة باسم الزعيم عبدالناصر، الذى خُلّد فى وجدان الأمة وذُكر فى قصائد كبار الشعراء الذين رثوه بحروف من نور، فباتت الذاكرة الوطنية تستعيد من خلاله قوة الوطن وإنجازاته.. استنادا على ذلك أصدرت الثورة العديد من قوانين الإصلاح الاجتماعى والاقتصادي، أسهمت فى بناء دولة حديثة تخدم شعبها ورافقت هذه المرحلة نهضة فنية عظيمة، تجلت فى أغانى أم كلثوم، وعبد الوهاب، وعبد الحليم حافظ، وسيد درويش، التى عبّرت عن روح الثورة ومبادئها، ومن أشهرها الأغنية الوطنية الخالدة “أنا الشعب”.. إن ثورة 23 يوليو ليست مجرد ذكرى، بل هى وليدة جيل جديد لتجسيد حلم تحقق ولإرادة شعب لن ينكسر، مما أظهرت إنجازات لها بصمة قوية يشهد بها التاريخ ونفخر بها اليوم.