عنصر حيوي في تحقيق الاستدامة

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!


تركّز استراتيجيات الاستدامة حول العالم على مفاهيم مثل كفاءة الطاقة، وترشيد استهلاك المياه، وتقليل النفايات، إلا أن جانباً بالغ الأهمية غالباً ما يُهمَل، وهو جودة الهواء الداخلي.
وتُعد جودة الهواء في الأماكن المغلقة عنصراً محورياً في تحقيق تنمية حضرية مستدامة، لما لها من تأثير مباشر في صحة الأفراد وسلامة البيئة. وفي منطقة الشرق الأوسط، تبرز جهود ملموسة نحو تحقيق الاستدامة من خلال رؤى وطنية طموحة، من أبرزها «استراتيجية الإمارات لتحقيق الحياد الكربوني 2050».
ومع ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف، وقضاء السكان أغلب أوقاتهم داخل المباني المغلقة، خاصة في المراكز التجارية التي تزخر بوجهات مختلفة للبيع والترفيه والتفاعل الاجتماعي، تزداد الحاجة إلى تعزيز جودة الهواء الداخلي كعامل أساسي في دعم الصحة العامة، ورفع مستويات الراحة والرفاهية، وتحسين تجربة الضيوف الشاملة.
يمكن أن يؤدي سوء التهوية، وارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون، والمركبات العضوية المتطايرة (TVOCs)، والجسيمات الدقيقة (PM2.5 and PM10) المنبعثة من مواد البناء والمصادر الداخلية إلى ظهور مشاكل صحية مثل الشعور بالإرهاق واضطرابات الجهاز التنفسي، ما يؤثر سلباً في الضيوف والموظفين داخل المبنى.
وأظهرت الدراسات أن تحسين جودة الهواء الداخلي لا ينعكس فقط على صحة الأفراد، بل يعزز أيضاً من كفاءة الموظفين، وإنتاجية العمل، والأداء الاقتصادي بشكل عام.
وعلى الرغم من الأهمية المتزايدة لجودة الهواء الداخلي، فإنها لا تزال تُعامل كعامل ثانوي في مناقشات الاستدامة، ويرجع ذلك جزئياً إلى ارتفاع استهلاك الطاقة في أنظمة الترشيح التقليدية. ومع ذلك، فإن التقدم في تقنيات التدفئة والتهوية وتكييف الهواء (HVAC)، إلى جانب ابتكارات تنقية الهواء، أتاح حلولاً أكثر كفاءة وصديقة للبيئة. اليوم، تتيح أنظمة المراقبة الذكية المعززة بتقنية «إنترنت الأشياء» IoT إمكانية قياس مؤشرات جودة الهواء، مثل الجسيمات الدقيقة، وثاني أكسيد الكربون، والمركبات العضوية المتطايرة، وذلك بشكل آني، ما يتيح تحسين أداء التهوية والترشيح، مع خفض استهلاك الطاقة في الوقت ذاته. وتُعد هذه الأنظمة ركيزة أساسية في تعزيز البيئات الداخلية الصحية، ودعماً عملياً لتوجهات الاستدامة طويلة المدى.
وفي «الفطيم العقارية»، نولي أهمية قصوى لجودة الهواء الداخلي في جميع منشآتنا، لاسيما مراكز التسوق، ونعمل باستمرار على تحسينها. ومن خلال شراكتنا مع شركة «إيرزونس» AirZones، اعتمدنا تقنيات متطورة قائمة على إنترنت الأشياء لمراقبة جودة الهواء وتحسينها لحظياً، بما في ذلك في مركزنا «دبي فستيفال سيتي مول».
وتعتمد «إيرزونس» على تحويل البيانات المعقدة إلى نظام تصنيف مبسّط قائم على النجوم، مع تقديم توصيات عملية لفرق إدارة المركز مثل تعزيز التهوية، وتحديث المرشحات، ورفع كفاءة بروتوكولات التنظيف.
أثمرت هذه المبادرات نتائج واضحة، إذ حافظنا على مستويات جسيمات (PM2.5) تحت 12 ميكروغرام/متر مكعب، وثاني أكسيد الكربون دون (500) جزء في المليون، والمركبات العضوية المتطايرة دون 200 جزء بالبليون.
وتتوافق هذه المؤشرات مع أعلى المعايير الدولية، بل تتخطى توقعات منظمة الصحة العالمية، وتوصيات جمعية مهندسي التدفئة والتبريد الأمريكية (ASHRAE)، ومعايير WELL الخاصة بصحة المباني. ونتيجة لهذا الأداء، صُنفنا ضمن أفضل 10% من المنشآت التي تعتمد تقنيات ايرزونس «AirZones» في القطاع، مع الحفاظ على تقييم يفوق 4 نجوم بشكل مستمر وتحقيق تقدم ملحوظ في مؤشرات جودة الهواء الرئيسية.
الاستدامة لا تعني فقط تشييد مبانٍ ذات بصمة كربونية منخفضة، بل تمتد لتشمل توفير بيئات داخلية صحية تعزز رفاهية الأفراد وتدعم جودة حياتهم. وبينما تمضي دول الشرق الأوسط بخطى ثابتة نحو تحقيق أهدافها البيئية، يبرز دمج جودة الهواء الداخلي كعنصر أساسي ضمن منظومة متكاملة تشمل كفاءة الطاقة، وترشيد استهلاك المياه، وتقليل النفايات، لرسم ملامح رؤية متكاملة للتنمية الحضرية المستدامة.
ولتحقيق هذه الرؤية، يصبح التعاون بين المطورين العقاريين، ومزودي الحلول التكنولوجية، وجميع الجهات المعنية ضرورة ملحّة لضمان الالتزام بمعايير جودة الهواء الداخلي، بما يعزز صحة الإنسان ويحمي البيئة. ومن خلال هذا التكامل والعمل الجماعي، نرسي الأسس لمدن أكثر استدامة وازدهاراً، تلبّي تطلعات الأجيال المقبلة.



‫0 تعليق

اترك تعليقاً