قبل 69 عاما وفي ميدان المنشية ببالإسكندرية.. أعلن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر في السادس والعشرين من يوليو عام 1956تأميم قناة السويس في انتصار كبير لإرادة المصريين.. لتصبح القناة ملكا خالصا لمصر بعد أن كانت شركة أجنبية ليس لها سلطة عليها.
قرار تاريخي هز العالم تلاه أحداث خطيرة وكبيرة وقف عندها التاريخ طويلا.. قرار دعا بريطانيا وفرنسا وإسرائيل لشن عدوانهم الثلاثي على مصر في نهاية أكتوبر عام 1956.
وعلى مدار تاريخها ظلت قناة السويس إحدى أهم المجاري المائية في العالم بل يعتبرها البعض الأهم على الإطلاق فهي أقصر طريق يربط بين الشرق والغرب .. وأسرع طريق للعبور بين المحيط الأطلسي والمحيط الهندي وتعتبر واحدة من أكثر الممرات المائية التجارية ازدحاما على مستوى العالم.
وللحفاظ على تلك المكانة وفي ضوء نمو حركة التجارة العالمية تواصل الدولة المصرية العمل على تطوير القناة باستمرار بما يؤدي إلى زيادة القدرة الاستيعابية للقناة واختصار زمن العبور إلى النصف وتفادي أي تحديات ملاحية طارئة بالإضافة إلى تحقيق أعلى معدلات الأمان الملاحي.
وتأكيدا لأهمية قناة السويس للتجارة العالمية تم العمل على إنشاء قناة جديدة موازية لتعظيم الاستفادة من القناة وتفريعاتها الحالية بهدف تحقيق أكبر نسبة من الإزدواجية لتسيير السفن في الإتجاهين بدون توقف في مناطق انتظار داخل القناة وتقليل زمن عبور السفن المارة، و زيادة قدرتها الاستيعابية لمرور السفن في ظل النمو المتوقع لحجم التجارة العالمية في المستقبل.
يأتي إنشاء قناة السويس الجديدة ارتباطا بمشروع التنمية بمحور منطقة قناة السويس ويرفع درجة الثقة في القناه كأفضل ممر ملاحي عالمي ويقلل من قيمة الفكر في قنوات بديلة تنافسية بالعالم والمنطقة، كما يرفع أيضا درجة الثقة في استعداد مصر لإنجاح مشروع التنمية بمنطقة قناة السويس و ينعكس كل ما سبق على زيادة الدخل القومي المصري من العملة الصعبة ويصب في خزينة الدولة مباشرة وإتاحة أكبر عدد من فرص العمل للشباب المصري و خلق مجتمعات عمرانية جديدة.
في السادس من أغسطس عام 2015 تم افتتاح قناة السويس الجديدة بشكل موازٍ لقناة السويس القديمة من أجل تسهيل وتسريع عملية مرور سفن الشحن عبر القناة في كلا الاتجاهين والتقليل من مدة انتظار السفن العابرة للقناة، بالإضافة إلى زيادة القدرة الاستيعابية للقناة من أجل التمكن من استيعاب النمو المستقبلي المتوقع لحركة التجارة العالمية وما يترتب على ذلك من جعل قناة السويس الطريق المفضل لدى السفن التجارية.
– من هنا كانت البداية .. حفر القناة
ظل حلم شق القناة يراود المصريين وأجمع المؤرخون على أن فرعون مصر سنوسرت الثالث كان أول من فكر فى شق قناة تربط البحرين الأحمر والمتوسط وذلك بهدف تيسير المواصلات حيث كانت السفن القادمة من البحر الأبيض المتوسط تسير في النيل حتى الزقازيق ومنها إلى البحر الأحمر عبر البحيرات المرة التي كانت متصلة به في ذلك الوقت وما زالت آثار هذه القناة موجودة حتى اليوم في جنيفة بالقرب من السويس.
فى عام 610 قبل الميلاد امتلأت هذه القناة بالأتربة وتكون سد أرضي عزل البحيرات المرة عن البحر الأحمر لافتقارها إلى الصيانة فترة طويلة من الزمان، فعمل الفرعون نخاو على إعادة شق القناة لوصل النيل بالبحيرات المرة ولكنه فشل في وصلها بالبحر الأحمر.
وتغلب بطليموس الثاني فى 285 قبل الميلاد على كل الصعوبات التي اعترضت سبيل سابقيه، فتمكن من إعادة الملاحة إلى القناة بأكملها، بعد أن نجح في حفر الجزء الواقع بين البحيرات المرة والبحر الأحمر ليحل محل القنوات الصغيرة.
وفي عهد البيزنطيين دب الإهمال من جديد في القناة فتراكم التراب فيها حتى أصبحت غير صالحة للملاحة على الإطلاق.
وفى عام 641 ميلادية أعاد عمرو بن العاص الملاحة الى القناة وأطلق عليها اسم قناة أمير المؤمنين، وقد خطر له أن يشق قناة مباشرة بين البحرين الأبيض والأحمر ولكن الخليفة عمر بن الخطاب أثناه عن عزمه اعتقادا منه بأن شق مثل هذا البرزخ قد يعرض مصر كلها لطغيان مياه البحر الأحمر.
وفى عام 760 ميلادية ردم الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور القناة حتى لا تستخدم في نقل المؤن إلى أهل مكة والمدينة الثائرين على حكمه وبذلك تعطلت الملاحة بين البحرين أحد عشر قرنا تقريبا استخدمت خلالها الطرق البرية في نقل تجاره مصر وفى عام 1820 أمر محمد علي بإصلاح جزء من القناة لرى المنطقة الواقعة بين العباسة والقصاصين.
– فرمان الإمتياز 1854
بعد مجئ نابليون بونابرت على رأس الحملة الفرنسية عام 1798 على مصر، بدأ التفكير في حفر القناة، فخرج بونابرت من القاهرة مع مجموعة مهندسين لمعاينة الموقع الأفضل إلا أنه عدل عن الفكرة بعد اكتشافه أن مستوى البحر الأحمر أعلى من مستوى الأبيض، على اعتبار أن مصر كلها ستغرق بمياه البحرين لو تم حفرها.
يبدأ التاريخ الحقيقي لقناة السويس عام 1854 بعد وصول فرديناند ديليسبس إلى مصر، والذي استطاع أن يقنع سعيد باشا بخطأ تلك الحسابات وأن مستوى البحرين واحد ولا ضرر بالمرة من شق القناة التي لن يليها أي طغيان للماء على البر، فاطمأن سعيد باشا وفي 30 نوفمبر 1854 منح ديليسبس فرمان امتياز حفر قناة السويس.
– فرمان الامتياز الأول
صدر بتاريخ 30 نوفمبر 1854 ونص على تأسيس فرديناند دليسيبس “الشركة العالمية لقناة السويس البحرية” بمقتضى شق برزخ السويس، واستغلال طريق صالح للملاحة الكبرى وإنشائه إعداد مدخلين كافيين، أحدهما على البحر الأبيض المتوسط، والآخر على البحر الأحمر وبناء مرفأ أو مرفأين.
ويحق للشركة إدارة القناة وفق مدة امتياز 99 سنة من تاريخ إنهاء الشركة من إنشاء قناة جديدة.
ونص المرسوم أن الحكومة لها 15% من صافي ربح الشركة عدا الفوائد والحصص الخاصة، ويوزع الباقي من صافي الأرباح بحيث تحصل الشركة على 75% و10% من الأعضاء المؤسسين.
وتكون رسوم العبور ما بين الشركة وخديوي مصر والتعريفة متساوية دائما لجميع الدول، ولا يجوز مطلقا اشتراط امتياز لإحدى الدول دون غيرها.
وللشركة الحق في استخراج المناجم والمحاجر الداخلة في الأملاك العامة مع الإعفاء من الرسوم بجانب انتفاعها بهذا الإعفاء فيما يتعلق بالآلات والمواد التي تستوردها من الخارج.
وبعد انتهاء الامتياز تحل الحكومة المصرية محل الشركة وتنتفع بكافة حقوقها دون تحفظ وتستولي على القناة البحرية وجميع المنشآت التابعة لها وتؤول إليها الملكية الكاملة، فيما يكون تعويضا للشركة منحها مقابل تنازل عن المهمات والأشياء المنقولة باتفاق ودي أو بطريق التحكيم.
– بدء العمل في حفر قناة السويس
في 25 أبريل 1859 بدأ العمل في حفر قناة السويس رغم اعتراضات انجلترا والباب العالي، وتدفقت مياه البحر الأبيض المتوسط في بحيرة التمساح في 18 نوفمبر 1862، وكانت وقتئذ عبارة عن منخفض من الأرض تحف به الكثبان الرملية ويقع في منتصف المسافة بين بورسعيد والسويس.
وتلاقي البحرين الأبيض والأحمر لتظهر إلى النور قناة السويس “شريان الخير لمصر والعالم ” التي وصفها الراحل الكبير جمال حمدان بأنها ” نبض مصر”.
وبعذا انتهت أعمال هذا المشروع الضخم الذي استغرق تنفيذه عشر سنوات، بعد استخراج 74 مليون متر مكعب من الأتربة وقد بلغت تكاليفه 433 مليون فرانك (17320000 جنيه)، أي ضعف المبلغ الذي كان مقدرا لإنجازه.
– حفل أسطوري في افتتاح القناة للملاحة
افتتحت القناة في عهد الخديوي إسماعيل الذي قرر أن يقيم حفلا أسطوريا لافتتاح القناة ومن أجل ذلك سافر إلى أوروبا في 17 مايو 1869 لدعوة الملوك والأمراء ورؤساء الحكومات ورجال السياسة والعلم والأدب والفن لحضور حفل افتتاح القناة الذي عزم أن يقيمه في 16 نوفمبر 1869.
وافتتحت القناة في حفل أسطوري في 17 نوفمبر 1869 بحضور ستة آلاف مدعو في مقدمتهم الإمبراطورة أوجيني زوجة إمبراطور فرنسا نابليون الثالث وإمبراطور النمسا وملك المجر وولي عهد بروسيا وشقيق ملك هولندا وسفير بريطانيا العظمى فى الآستانة والأمير عبد القادر الجزائري، والأمير توفيق ولي عهد مصر والكاتب النرويجي الأشهر هنريك إبسن والأمير طوسون نجل الخديو الراحل سعيد باشا ونوبار باشا وغيرهم.
وعبرت القناة في ذلك اليوم السفينة “ايجيل” وعلى متنها كبار المدعوين تتبعها 77 سفينة منها 50 سفينة حربية .. وأقيمت بهذه المناسبة احتفالات ومهرجانات تفوق الوصف أنفق فيها الخديو اسماعيل نحو مليون ونصف مليون جنيه.
– تأميم القناة
لم يغب عن الحكومة المصرية عقب ثورة يوليو، الأهمية الاقتصادية لقناة السويس بالنسبة إلى مصر ودول العالم أجمع، كما أدركت الحكومة الأهمية العسكرية للقناة إذ كان يعبرها في ذاك الوقت 60 ألف جندي بريطاني في طريقهم إلى دول الكومنولث، وكان لبريطانيا قواعد عسكرية في المدن الرئيسية للقناة وعلى امتدادها.
كانت بريطانيا تملك 44% من إجمالي أسهم القناة، وفي مايو 1956 أعلنت بريطانيا عن أهمية اتخاذ الترتيبات اللازمة لضمان مستقبل القناة بعد انتهاء مدة امتيازها.
وطلب مدير الشركة الفرنسي من شركات البترول مساندته في مد امتياز الشركة لمدة 20 سنة أخرى بعد انتهاء فترة الامتياز الأخرى في عام 1968.
وبحث مع مسؤولي شركات البترول صاحبة المصالح في الشرق الأوسط رغبة شركة القناة في تعميق وتوسيع القناة، وأن هذه العملية مكلفة وتتطلب تكاتف هذه الشركات.
كانت بريطانيا تخشى على القناة من الرئيس جمال عبد الناصر، وتنظر دائما إلى القناة على إنها مؤسسة دولية، وضرورة إبعاد سيطرة عبدالناصر عليها باعتبارها ممرا ملاحيا دوليا.
استشعر الرئيس جمال عبدالناصر تغلغل النفوذ الأجنبي الذي عانته مصر طويلا، وأدرك أن الخطط تحاك لمد الامتياز وتدويل القناة، فعقد العزم على اتخاذ قرار التأميم عندما تحين اللحظة المناسبة.
ويذكر ” جاك جورج بيكو ” مدير عام شركة قناة السويس قبل التأميم مباشرة، أنه بعد فشل ضغوط الشركة عام 1909 لمد عقد الامتياز لمدة أربعين سنة بعد سنة 1968، استأنفت الشركة تلك الجهود بعد أن قامت حكومة الوفد بإلغاء معاهدة سنة 1936 في أكتوبر من عام 1951، وذلك بعد أن شعرت بخطورة المد الوطني المصري.
ويضيف بيكو أنه في 15 نوفمبر عام 1951 وفي أول فبراير 1952 أرسلت الشركة مذكرات إلى فرنسا وبريطانيا وأمريكا وإيطاليا تحذر من المصاعب التي ستنشأ عند نهاية الامتياز، مطالبة بالدخول في مفاوضات دولية حول هذا الشأن قبل أن يمتد التيار الوطني المصري ويجعل من الصعب إجراء تلك المفاوضات.
وقد اعترضت بريطانيا، والولايات المتحدة على طلب الشركة لأنهما تخوفتا من أن إجراء تلك المفاوضات قد يؤدي إلى مطالبة الاتحاد السوفييتي بالدخول فيها بحجة أن روسيا كانت طرفا في معاهدة القسطنطينية سنة 1888 بشأن القناة.
وكانت الشركة تحاول إثارة المخاوف من أن عودة إدارة القناة إلى مصر قد يعقبه انسحاب المرشدين الأجانب الذين يشكلون ثلثي عدد المرشدين .
– قرار تأميم قناة السويس سنة 1956
فى أواخر عام 1955 وأوائل عام 1956 جرت مباحثات بين مصر والبنك الدولي وتم الإتفاق المبدئي على عقد قرض لمصر بمبلغ لتسحب منه عند الحاجة لإنشاء السد العالي.
ولكن حدث أن أعلنت حكومة الولايات المتحدة سحب عرضها السابق لتمويل السد العالي فجاء رد الرئيس جمال عبد الناصر على قرار التراجع عن تمويل السد بإعلانه تأميم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية ـ شركة مساهمة مصرية ـ ونقل جميع ما لها من أموال وحقوق وما عليها من التزامات إلى الدولة المصرية.
وفي 26 يوليو 1956 أعلن الرئيس عبدالناصر القرار الجمهورى بتأميم شركة القناة شركة مساهمة مصرية لتمويل مشروع السد العالى، ولكى تكون مصدرا للدخل القومي و للمضي في تطوير البلاد.
– ترتيبات محكمة
قد جاءت الترتيبات السابقة لقرارالتأميم بدقائق محكمة للغاية وكان الرئيس عبدالناصر قد كلف محمود يونس بإجراء الترتيبات اللازمة لدخول شركة قناة السويس وكان عليه إعداد كل شىء إنتظارا لخطاب الرئيس في ليلة 26 يوليو.
كانت كلمة السرفي خطاب الرئيس هي كلمة ديليسبس والتي كررها الرئيس جمال عبد الناصر 16 مرة وتحرك يونس ومن معه بعد سماعها وكان قد أخذ قليلا من الرجال تأكيدا على السرية ولم يكن يعلم من معاونيه بطبيعة المهمة سوى ثلاثة أفراد.
وما أن إنتهى عبدالناصر من خطابه حتى كانت شركة قناة السويس تحت السيطرة المصرية.
صدرت الأوامر من باريس إلى الموظفين الأجانب من مرشدين وفنيين وكتبة بالانسحاب دفعة واحدة بغرض إظهار عجز القيادة المصرية عن إدارة القناة بعد تأميمها، وهذه الانسحابات كانت كافية لشل الملاحة وغيرها من أعمال القناة، لو لم تتخذ مصر منذ البداية الاحتياطات اللازمة.
وتم احلال المرشدين للقناة فى الحال إما عن طريق تعيين غيرهم من الخارج أو من البحرية المصرية.
وأخذت أول قافلة بقيادة المرشدين الجدد تشق طريقها عبر القناة وعبرت السفن ولم يعق سيرها عائق وتوالت الأيام والعمل في القناة على ما يرام، ولم تتوقف الملاحة ولم يتعطل المرور.
ومع هذا النجاح تحول حذر الأوساط الملاحية إلى ثقة ويقين وتحولت مخاوف السفن وقلق مديرى شركات النقل البحري والتأمين إلى الاطمئنان والإعجاب.
بعد ذلك توالت الأحداث وانتهت بشن العدوان الثلاثي على مصر والذي استمر من 31 اكتوبر حتى 22 ديسمبر 1956 من كل من إنجلترا وفرنسا وإسرائيل.
وأغلقت القناة ولكن أعيد إفتتاحها عام 1957 وأغلقت مرة اخري وعقب إنتصار 6 أكتوبر 1973 أعاد الرئيس السادات إفتتاحها في 5 يونيو 1975.