د. هالة سعد مكاوي تتناول حياة والدها الذي اختار الابتعاد عن الشهرة.

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!


سر الأزمة العنيفة التى عاشها سعد مكـــــــاوى وأسرته بسبب «السائرون نيامًا»
كان حريصاً على أن يصطحبنا لحضور مسرحيات عادل إمام
حكاية الإفطار الرمضانى السنوى لأسرتنا مع أسرة عمي عبد الرحمن الشرقاوى فى الحسين
أبى طلب منى قراءة حمار الحكيم وثلاثية محفوظ قبل أن أقرأ أعماله
ورث نزعة صوفية واضحة عن والده العالم الأزهرى

كان القاص والروائى الكبير سعد مكاوى عازفا عن الأضواء زاهدا فيها.. مخلصا لموهبته ولمنجزه الأدبى، لا يسعى لتقديم نفسه ولا لنيل شهرة يستحقها تكافئ موهبته الاستثنائية ومشروعه الإبداعى.. غير أن هذه الشهرة وهذا الاهتمام النقدى تحققا له بشكل واضح بعد رحيله، حين التفت الجميع  إلى روايته «السائرون نياما» مدركين أنها واحدة من أهم وأفضل الروايات العربية التى كتبت فى القرن العشرين، بما قدمته من عالم سردى مختلف، وبما تحقق فيها من مزج بين الواقعية والرمزية وبين الحقيقى والأسطورى، وبقدرتها على التقاط التفاصيل المدهشة والأجواء الحقيقية لدولة المماليك فى مصر.. غير أن المشروع الأدبى لسعد مكاوى كان كبيرا ومتفردا فله فضلاً عن «السائرون نياما» أربع عشرة مجموعة قصصية وأربع روايات وأربع مسرحيات، وله إسهاماته فى الترجمة وفى السينما وفى الصحافة.. ومع ابنته الدكتورةالمهندسة هالة مكاوى الأستاذ المتفرغ بكلية الهندسة بجامعة القاهرة نتعرف أكثر على الوجه الآخر الإنسانى والشخصى، بجانب المسيرة الإبداعية لسعد مكاوى..

فى البداية تقول د. هالة عن نشأة وطفولة والدها: ولد سعد مكاوى ونشأ فى قرية الدلاتون بالمنوفية لأب هو العالم الأزهرى الشيخ مكاوى حسن عياد.. نشأ أبى  فى بيت جميل هادئ تحيطه حديقة خاصة كبيرة مع أشقائه الثلاثة حسن ورشدى وصلاح.. ومع إخوته الثلاثة كان سعد مكاوى يقضى إجازاته الصيفية فى بيتهم بالدلاتون.. وفى هذه الفترة بدأت ملامح شخصية أبى تتشكل.. بدأت تولد لديه نزعة صوفية ربما اكتسبها من والده ومن الكتب الدينية وكتب التراث الموجودة فى مكتبة هذا الوالد العالم الأزهرى.. هذه النزعة الصوفية المبكرة جعلته يميل للبعد عن الأضواء والزهد فيها فيما بعد.. لكنها لم تترك فى نفسه أى ميل للعزلة كما قد يعتقد البعض.. بل العكس كان أبى كائنا اجتماعيا جدا.. يحب الصداقة والأصدقاء.. وأذكر أنه كان يقول لنا دائما: إن الصديق هو الأخ أو الأخت الذى اخترناه بأنفسنا..

وتواصل د. هالة: هذه المرحلة المبكرة شكلت كثيرا من ملامح شخصية سعد مكاوى ثم تلتها مباشرة مرحلة سفره وإقامته فى فرنسا للدراسة.. وحيث كان الشيخ مكاوى حسن عياد يحلم لابنه سعد أن يصبح طبيبا شهيرا واختاره دون إخوته  لكى يسافر إلى فرنسا لدراسة الطب.. وفى جامعة مونبلييه قضى سعد مكاوى عامه الأول بكلية الطب تحقيقا لرغبة والده.. لكنه أدرك منذ البداية أن طريق الطب ليس طريقه.. وأنه لن يستطيع أن يكمل دراسته الطبية على الإطلاق.. وأنه (ما ينفعش يدخل مشرحة).. فحول أوراقه إلى كلية الآداب بجامعة السربون.. غير أنه لم يستطع أن يكمل دراسة الآداب أيضا بسبب قيام الحرب العالمية الثانية وعودته إلى مصر.. وصحيح أنه لم يحصل على شهادة الآداب بالسربون، لكن الصحيح أيضا أنه قرأ كثيرا جدا، وأنه اطلع على إبداعات كبار الأدباء الفرنسيين، فقرأ مجموعة كبيرة من الكتب هناك ونقل بعضها معه حين عاد إلى مصر، وما زال هذا البعض من الكتب المكتوبة بالفرنسية موجودا لدينا، وأتقن اللغة الفرنسية إتقانا تاما، حتى أنه بعد عودته ترجم كتبا لجان أنوى ولخص رواية جيرمينال لاميل زولا، كما ترجم كتابا شديد الأهمية لطلبة معاهد السينما هو اللغة السينمائية لمارسيل مارتان، وترجم أيضا رواية فتاة من الأقاليم لألبرتو مورافيا  كانت مترجمة من الإيطالية للفرنسية  وترجم عددا هائلا من القصص القصيرة نشرت على صفحات صحف المصرى والشعب والجمهورية التى عمل بها بعد عودته من فرنسا، وبالإجمال كان والدى مترجما بارعا وكان يعتز بموهبته فى الترجمة، وهو جانب منسى فى منجز سعد مكاوى.. كما أفادته سنوات إقامته فى فرنسا على مستوى التذوق الفنى، وزار المعارض والعروض الفنية المختلفة.. وبرع فى إجادة اللغة الفرنسية.. وبالإجمال كان أبى معتزا بتلك الفترة التى قضاها فى فرنسا فى شبابه الباكر.. لانها ساهمت فى تأهيله ليسلك مساره الذى اختار الأدب كهواية عظيمة والعمل بالصحافة كمهنة واحتراف.

   عن الصحافة.. و«السائرون نياما»

يتواصل الحديث مع هالة سعد مكاوى وأسالها عن تفاصيل رحلة سعد مكاوى فى الصحافة لتجيب:بعد عودة أبى من فرنسا عمل بالصحافة الأدبية.. والتحق بجريدة المصرى التى كانت من أهم الصحف المصرية فى أربعينيات القرن الماضى، وكان يحرر الصفحة الأدبية بها.. وفى فترة توليه مسؤولية الصفحة الأدبية بالمصرى نشر سعد مكاوى أعمالا كثيرة لمن أصبحوا فيما بعد من كبار المبدعين فى مصر والوطن العربى، مثل نعمان عاشور ومحمود البدوى وغيرهما .. وفى جريدة المصرى حدثت واقعة صحفية شهيرة غير مسبوقة تناولتها وكالات الأنباء العالمية وقتها كان سعد مكاوى طرفا أصيلا فيها.. فقد صدرت (المصرى) وفى صدر صفحتها الأولى وبكامل مساحة الصفحة قصة قصيرة لمكاوى بعنوان (قراريط رضوان التسعة) كنوع من الاحتجاج ضد الرقابة على الصحف التى قدمت مساءلة لأحمد أبو الفتح رئيس تحرير الجريدة فى خبر نشرته (المصري).. وكان الاعتراض بعدم نشر أى أخبار أو مانشيتات بالصفحة الأولى.. واستعاضت إدارة تحرير المصرى بقصة سعد مكاوى ونشرت مربعا صغيرا توسط الصفحة قالت فيه إنها تحتج على موقف الرقابة على الصحف من الجريدة وصاحبها أحمد أبو الفتح.. ووقتها نشرت صحف ووكالات أنباء عالمية عن هذه الواقعة.. وكان أبى يضع صورة فوتوغرافية للصفحة الأولى التى كانت عبارة عن قصته “قراريط رضوان التسعة” وما نشرته وكالات الأنباء عن الواقعة.. وهى تجربة فريدة بكل المقاييس.. كان أبى يعتز بها كثيرا اعتزازه بتجربته كلها فى جريدة المصرى.

وحين توقفت (المصرى) بعد الثورة ذهب أبى إلى جريدة الشعب وعمل بها من عام ٥٦ إلى عام ٥٩ مشرفا على الصفحة الأدبية، ثم انتقل إلى جريدة الجمهورية كاتبا بها.. لكن تجربته فى جريدة الجمهورية كانت تجربة صعبة وقاسية لأنه فصل مع عدد من الكتاب.. وفصل أبى لأنه نشر رواية (السائرون نياما) مسلسلة بالجمهورية منذ بداية عام ١٩٦٣ والتى اعتبر البعض وقتها أنها تسقط أحد عصور التردى فى دولة المماليك على ما حدث بمصر من تغييرات بعد ثورة يوليو.. وهنا أضيف أن أبى لم يتخذ موقفا مضادا من ثورة يوليو،  لكن كان له رأيه ونقده وتحفظاته على أمور حدثت بعد الثورة.. ثم كانت (السائرون نياما) التى دفع ثمنها غاليا.

كانت تجربة فصل أبى من الجمهورية مؤلمة وموجعة  كثيرا.. وربما لم نشعر بها أنا وأخى هشام كثيرا؛ فقد كنا أطفالا صغارا.. لكنها صدّرت لنا وجها قاسيا من وجوهها.. فقد عاشت أسرتنا أزمة مادية ولم يستطع أبى أن يحقق لنا ما كان يحققه بشكل عادى على مدار سنوات ماضية مثل الذهاب إلى المصيف على سبيل المثال.. لكنه وأمى السيدة بهيجة محمد فريد حاولا بقدر الإمكان ألا يشعرانى وأخى هشام بوطأة أزمة فصله، غير أنه عندما كبرنا حكى لنا والدى عن أزمة فصله من الجمهورية بكل تفاصيلها.

وهنا أجدنى أسأل د. هالة عن رواية (السائرون نياما) التى كانت سببا رئيسيا فى أن يعرف الناس كاتبا كبيرا بحجم و موهبة سعد مكاوى لتقول: أبى أحب هذه الرواية كثيرا.. وأخذت منه وقتا وجهدا كبيرا.. وبسببها قرأ  تاريخ  المماليك.. ليخرج لنا بهذه الرواية العظيمة التى تناولت الثلاثين عاما الأخيرة  فى حكم المماليك ووظفت التراث بشكل رائع.. وقربت لنا أجواء تلك الدولة، فكأننا نعاينها ونعيشها، وهذه قدرة إبداعية فذة شهد بها الجميع لوالدى.. لتصبح (السائرون نياما) واحدة من أفضل مائة رواية عربية فى القرن العشرين.

وهنا أذكر أن أبى قبل رحيله بوقت قصير وبعد نشر (السائرون نياما) بحوالى عشرين عاما ربما داهمه حنين جارف لروايته الأشهر، فأبدع رواية تاريخية أخرى مهمة لم تأخذ حظها من شهرة (السائرون نياما) هى رواية (الكرباج)، وهى رواية قصيرة لكنها أيضا رواية مهمة تتناول زمن الحملة الفرنسية على مصر.. لكن شهرة (السائرون نياما) طغت عليها كما طغت على كثير من أعمال أبى الأخرى.. فالرجل  أصدر مثلا أربع عشرة مجموعة قصصية مثل (الماء العكر والزمن الوغد وفى قهوة المجاذيب ومجمع الشياطين والفجر يزور الحديقة) وغيرها، وأغلبها أعمال شديدة التفرد وتنم عن خصوصية مبدع له حضوره على مستويات إبداعية ورؤيوية كثيرة.. وربما لم تنج رواية (الرجل والطريق)، التى أبدعها سعد مكاوى فى فترة إبداعه لـ (السائرون نياما) تقريبا، من هذا التجاهل النقدى، على الرغم من أهمية الرواية التى تقع فى عشرين فصلا.. والتى تدور أحداثها فى الريف المصرى وتناقش كثيرا من مفرداته المختلفة، وعلى الرغم من أن هذه الرواية أُنتجت مسلسلا بذات الاسم (الرجل والطريق) وهو ما انطبق أيضاً على رواية «لا تسقنى وحدى»..وهنا يهمنى أن أقول عن التوجه الفكرى والأيديولوجى لسعد مكاوى –  تواصل د. هالة – إنه كان ميالا لليسار ورؤاه، وكان متحمسا لفكرة أن يحصل الناس على فرص متساوية وعادلة فى الحياة، لكنه لم ينتم بشكل رسمى للتيار الشيوعى ولا لغيره، ثم إنه كان رجلا وطنيا يحب مصر بكل جوارحه، وقد أصيب بالاكتئاب بعد نكسة ٦٧، بينما كانت سعادته طاغية ومشاعر فرحه لا تحدها حدود حين حدث نصر أكتوبر العظيم.

  مكاوى والشرقاوى

هنا وبمناسبة الصعوبات التى عاناها سعد مكاوى ومنها التجاهل النقدى لأعماله المهمة وانصراف النقد والشهرة إلى آخرين من جيله وأجيال لاحقة.. يوسف إدريس نموذجا. أسال د. هالة: بصراحة وصدق ألم يشعر والدك بغصة من هذا التجاهل وربما بغيرة من بعض المبدعين المعروفين.. وبسرعة تجيب:

أحكى لك موقفا دالا ومهما فى هذه المسألة: خرجت مع أبى ذات مرة لأمر يخص بعض مصالحه.. وبعد انتهاء ما خرجنا لأجله قال لي: هناك واجب ومشوار مهم لصديق عزيز أرجو أن تصطحبينى فيه، فوافقته بالطبع.. لنذهب إلى مستشفى القوات المسلحة بالمعادى ليقول لى والدى على باب المستشفى إننا سنزور الأستاذ يوسف إدريس الذى يرقد مريضا بالمستشفى.. وأذكر أن إدريس كان سعيدا جدا وممتنا لوالدى على هذه الزيارة.

كان والدى متصالحا جدا مع فكرة أنه لم يأخذ حظا كبيرا من الشهرة.. والمؤكد أن البعد الصوفى كان له أثر كبير فى هذه المسألة.. وكان يعرف قدر نفسه جيدا و(راضيا بنصيبه وبما يرتبه له الله) ولم نحس أبدا أن لديه شعورا بالمرارة لأنه لم يأخذ ما يستحقه من شهرة تليق بموهبته وإبداعه.. شهرة تحققت لبعض أقرانه من جيله أو من أجيال لاحقة.. بدليل أن علاقته بهم كانت علاقة محبة ومودة صافية كنت أراها رأى العين كلما التقى أحدا منهم فى حضورى.. جمعته مودة بكثيرين من مبدعى عصره مثل يوسف السباعى ونعمان عاشور وبهاء طاهر وغيرهم ..

أحكى لك حكاية أخرى -تضيف هالة سعد مكاوى – حين تجاوزت مرحلة الطفولة ودخلت مرحلة المراهقة طلبت من أبى أن أقرأ إبداعه كله وأن أبدا بـ (السائرون نياما) فقال لى بكل بساطة لا.. أقترح عليكِ أن تبدئى قراءاتك فى عالم الأدب بكتاب “حمار الحكيم” لتوفيق الحكيم الذى كان أبى يقدره ويحب كتاباته كثيرا، وأضاف وقتها: هذا كتاب جميل وبسيط ولغته سهلة وممتعة، وبعد أن انتهيت منه أعطانى ثلاثية نجيب محفوظ (بين القصرين وقصر الشوق والسكرية)، ثم أعطانى بعدها كتاب الحكيم “عودة الروح”.. ثم بعد أن انتهيت من قراءة كل هذه الأعمال أعطانى أبى مجموعته القصصية (شهيرة وقصص أخرى)، ثم رواية (الرجل والطريق)، وقال لى وقتها: نؤجل (السائرون نياما) بعض الوقت حتى أطمئن أنك ستقرئينها بسهولة ويسر.. وهو ما حدث بالفعل بعد ذلك.. هذه الحكاية تؤكد بكل بساطة أن سعد مكاوى كان أبعد ما يكون عن الغيرة من زملائه الأكثر شهرة، بدليل أنه رشح لابنته أعمالهم لتبدأ بها قراءاتها وليس أعماله هو.. وأتذكر جيدا أننى وأنا طفلة كنت أشعر بالحزن وبنوع من الإحراج حين أقول لأحد إننى ابنة الكاتب سعد مكاوى فلا يعرفه.. ولما أحكى لأبى كان يبسط لى الأمر ويفلسفه بحيث لم يعد يمثل لى شيئا مؤلما على الإطلاق.

ولكن بأيٍ من مبدعى جيله كان سعد مكاوى يرتبط بصداقة وطيدة؟

تجيب د. هالة :جمعت سعد مكاوى صداقة كبيرة وأخوة ببلدياته وابن قريته (الدلاتون) الأديب الكبير عبد الرحمن الشرقاوى صاحب الرواية الشهيرة «الأرض».. هذه الصداقة كانت من أعمق الصداقات وتحولت لعلاقة أسرية جميلة ومستمرة بيننا أنا وأخى هشام وبين أبناء عمو عبد الرحمن الشرقاوى.. وكان أبى يغرس فينا دائما أن نقول عمى فلان ولا نقول أبدا كلمة (أونكل) الإفرنجية.

وكانت لأسرتنا طقوس مع أسرة عبد الرحمن الشرقاوى فى شهر رمضان المبارك؛ حيث كنا نفطر يوما على الأقل سويا.. تذهب الأسرتان إلى مقام سيدنا الحسين أولا.. نزور الضريح، وكانت الساحة حول المقام مفتوحة للجميع، وما زال مشهدنا جميعا نحن وأسرة عمو عبد الرحمن الشرقاوى ونحن نطوف بضريح الحسين محفورا فى ذاكرتى ثم نذهب مع حلول المغرب إلى أحد مطاعم الكباب الشهيرة بالحسين نتناول الإفطار وبعدها نذهب إلى مقهى الفيشاوى الشهير.. أما عيد الفطر المبارك فكنا نقضيه أيضا بصحبة أسرة عمو عبد الرحمن الشرقاوى، وغالبا كنا نذهب فيه إلى كبريتاج حلوان نتناول الغداء ونقضى يومنا كله هناك، وفى شم النسيم كنا نفطر سويا فى نادى اليخت بالمعادى، وهو المكان الذى كان أبى يفضله كثيرا.. وفى الصيف كنا نذهب سويا أيضا لقضاء المصيف.. وإن أنسى فلا أنسى أن أسرتنا شاهدت مع أسرة عمى عبد الرحمن الشرقاوى البروفة الجنرال لمسرحية (الحسين ثائرا) التى ألفها الشرقاوى وأثارت ضجة كبيرة حين اعترض عليها الأزهر.. شاهدت البروفة النهائية للمسرحية مع أخى وأبناء عمى عبد الرحمن، وكانت عبارة عن عرض مسرحى كامل فى ليلة لا تنسى كنوع من التحايل على رفض المسرحية.. وللأسرتين ذكريات جميلة مليئة بالمودة والمحبة.. وإلى الآن تربطنا علاقة أسرية أنا وأخى هشام بأبناء عمى عبد الرحمن الشرقاوى.

 أما الصديق الصدوق الآخر لوالدي؛ فقد كان الأديب الكبير يوسف جوهر رحمه الله وكان جارا لنا فى المعادى، بين بيتنا وبيته خمس دقائق سيرا على الأقدام، وكان له مع أبى نوادر كثيرة.. وحين توفى والدى وكنت وقتها خارج مصر قالت لى أمى إن عمك يوسف جوهر جاء إلى البيت بعد وفاة صديقه سعد مكاوى مباشرة وكان يبكى كالأطفال.

وكان لأبى صديق مقرب ثالث هو الكاتب الإسلامى المعروف محمد على ماهر صاحب البرنامج الإذاعى الخالد أحسن القصص والذى يعتبر فى ذات الوقت عملا دراميا ضخما، وقد شارك كذلك فى كتابة سيناريو فيلم الرسالة وله أعمال أخرى مهمة.. وكان أبى يصطحبنا لزيارة محمد على ماهر وأسرته فى حلوان، وكان يسكن فى فيلا جميلة هو وأسرته.

كما كان لأبى أصدقاء مقربون من خارج الوسط الأدبى مثل المستشار عبد السلام حجازى والمهندس أحمد هيبة.. وكان سعد مكاوى دائما ما يعقد جلسات عائلية سواء فى بيتنا أو فى بيوت أصدقائه.

والخلاصة أن مكاوى كان يقدر الصداقة وله مواقف شهامة كثيرة مع كثيرين من أصدقائه لا أستطيع البوح بتفاصيلها لدرجة أن الأمر كان يصل إلى درجة أن يساعد صديقا له ولو على حساب أمانه وسلامه الشخصى وظروفه الخاصة.

  بين المسرح والسينما

وأسال د. هالة مكاوى عن مضمار إبداعى آخر برع فيه سعد مكاوى وهو المسرح.. وكذلك عن إسهاماته فى السينما فتجيب: كان أبى محبا جدا للمسرح، وغرس فينا أنا وأخى هشام حب المسرح.. وكم من مرة اصطحبنا باستمرار لمشاهدة الكثير من المسرحيات، وأول مسرحية شاهدناها هى (سيدتى الجميلة) لفؤاد المهندس وشويكار.. كما اصطحبنا لمشاهدة أغلب مسرحيات عادل إمام.. لكن حبه للمسرح لم يقتصر فقط على الفرجة.. فالرجل له حضور مسرحى لافت.. فقد تولى رئاسة هيئة المسرح فى سبعينيات القرن الماضى حين كان يوسف السباعى وزيرا للثقافة. وفى فترة مسؤوليته عن هيئة المسرح أنتجت الهيئة عددا غير قليل من المسرحيات الناجحة التى عرضت على المسرح القومى ومسرح السلام.. ولم يقتصر إسهامه المسرحى على العمل الإداري؛ فكتب عددا من المسرحيات عرضت أيضا على المسرح القومى ومسرح السلام مثل (الميت والحى والحلم يدخل القرية والأيام الصعبة).. أما بالنسبة للسينما، فقد كتب القصة والحوار لعدد من الأفلام السينمائية مثل (أبواب الليل وشهيرة).. وهنا لابد وأن أشير إلى أن مكاوى كان محبا للفنون بشكل عام.. أحب الموسيقى وحرص على حضور حفلات الموسيقى العربية، وعلى وجه الخصوص حفلات فرقة عبد الحليم نويرة.. كما حرص على حضور معارض الفنون التشكيلية.. واصطحبناه أنا وأخى هشام كثيرا إلى هذه المعارض. وأذكر أننا ذهبنا معه ذات مرة  لحضور افتتاح معرض لصديقه الفنان التشكيلى عبد السميع.. وذهبنا إلى مقر المعرض قبل أن يصل الفنان عبد السميع نفسه، فقد كان أبى شديد الالتزام بالمواعيد.

  أسرته الصغيرة.. وأيامه الأخيرة 

لو تحدثنا عن أسرة سعد مكاوى.. أولاده وأحفاده.. وعن علاقته بكم.. فماذا تقولين؟

تجيب د. هالة: أنجب سعد مكاوى اثنين من الأبناء هما.. أنا د .م هالة أعمل أستاذا متفرغا بقسم العمارة بكلية الهندسة بجامعة القاهرة.. وهشام خريج هندسة قسم عمارة أيضا.. لكنه غير مساره وسافر ودرس الاقتصاد فى جامعة بوسطن بأمريكا.. وعمل فى عدة مواقع آخرها الرئيس الإقليمى لإحدى شركات البترول بالشرق الأوسط.. أما أحفاد سعد مكاوى فهم ابنى عمرو رفعت وهو أكبر أحفاده، ثم لينا وليلى هشام تخرجتا فى الجامعة وتعملان، ثم يوسف وعلى هشام فى الفرقة الأولى الجامعية.. والحقيقة أن أبى كان حريصا على أن يبث فينا كل القيم والمعانى الإنسانية النبيلة، وركز على تعليمنا تعليما متقدما وترك لنا حرية الاختيار.. وأذكر أنه بعد تخرجى مباشرة جاءتنى منحة لمدة عام فى جامعة هارفارد، ورغم قربى الشديد منه.. فإنه شجعنى على السفر  من أجل مصلحتى على حساب مشاعره الشخصية والقلق الذى انتابه هو ووالدتى أثناء سفرى، خاصة أن وسائل التواصل كانت صعبة وقتها..

وأخيرا.. وعن الأيام الأخيرة فى حياة سعد مكاوى تقول د. هالة: أجرى أبى جراحة عادية فى البروستاتا تدهورت صحته بعدها، وارتفعت نسبة السكر لديه، وعانى متاعب شديدة فى أسنانه.. ثم أصيب بعدها بنزيف فى المخ دخل على أثره فى غيبوبة استمرت عشرة أيام فاضت روحه بعدها إلى بارئها فى الحادى عشر من أكتوبر عام ١٩٨٥.. رحمه الله وغفر له.



‫0 تعليق

اترك تعليقاً