دعم للإبداع الأدبي في العالم العربي

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!


الشارقة: رضا السميحيين

رسخت دولة الإمارات خلال العقديين الماضيين، مكانتها كحاضنة رئيسية لفن الرواية العربية، عبر منظومة من الجوائز الأدبية رفيعة المستوى، والتي باتت تشكل نقطة جذب للكتاب والناشرين، وتفتح أمام الإبداع السردي العربي آفاقاً جديدة من الانتشار والتأثير، وإذا كان المشهد الثقافي العربي يزخر بالجوائز الأدبية، فإن الجوائز الإماراتية في فن الرواية، وعلى رأسها «الجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر العربية)»، و«جائزة الشارقة لأفضل كتاب في الرواية»، و«جائزة الشارقة للإبداع العربي»، تعتبر اليوم من أهم المحطات التي تعيد تشكيل الخريطة السردية العربية وتدفع بها إلى العالمية.

تعد «الجائزة العالمية للرواية العربية»، التي انطلقت من أبوظبي عام 2007، بمنزلة «بوكر» العرب، وأهم الجوائز الروائية في المنطقة العربية، وقد استطاعت الجائزة في سنوات قليلة، أن ترفع من مستوى التنافس في الرواية العربية، وتضعها على خريطة الأدب العالمي.

تمنح «بوكر العرب» سنوياً لأفضل رواية عربية منشورة خلال العام السابق، وتخضع الأعمال المرشحة لعملية تقييم صارمة من قبل لجنة تحكيم دولية تضم نقاداً وكتاباً مرموقين، وتتميز الجائزة بتأثيرها الكبير في سوق النشر العربي، إذ غالباً ما تشهد الروايات الفائزة أو المدرجة في القائمة القصيرة إقبالاً واسعاً من القراء، وتترجم إلى لغات عدة، ما يمنح الأدب العربي نافذة أوسع على العالم.

ولا تقتصر أهمية الجائزة على القيمة المالية أو التكريم المعنوي، بل تتعداها إلى التأثير في مسارات الكتاب الفائزين، حيث تفتح أمامهم أبواب الترجمة والنشر الدولي، وتوفر لهم فرص المشاركة في الفعاليات الأدبية العالمية، وقد أسهمت الجائزة في إبراز قضايا الإنسان العربي، وتسليط الضوء على تحولات المجتمعات العربية من خلال السرد الروائي، ودفعت العديد من الكتاب إلى تطوير تقنياتهم السردية، والبحث عن موضوعات أكثر عمقاً وجرأة.

*تجارب جديدة

تعتبر «جائزة الشارقة لأفضل كتاب» والتي تأسست ضمن فعاليات معرض الشارقة الدولي للكتاب، لتكون إحدى أبرز الجوائز السنوية المخصصة للاحتفاء بالإنتاج الأدبي العربي، وتحديداً في مجال الرواية، وتهدف الجائزة إلى تشجيع الكتاب العرب على تقديم أعمال روائية نوعية تواكب التحولات الاجتماعية والثقافية، وتمنح الفائزين فرصة الظهور أمام جمهور واسع من النقاد والقراء والناشرين.

وتتميز الجائزة بكونها تركز على الأعمال الصادرة حديثاً، ما يجعلها انعكاساً حقيقياً للمشهد الروائي العربي، وتتيح الجائزة فرصة المنافسة للكتاب الشباب والروائيين المخضرمين على حد سواء، وقد أسهمت الجائزة خلال دوراتها في إبراز أسماء عربية في عالم الرواية، كما عززت من حضور الرواية العربية في معارض الكتب الدولية، ودفعت دور النشر للاهتمام بترشيح الأعمال المتميزة.

وتخضع الأعمال المرشحة للجائزة لمعايير دقيقة، حيث تقيم من قبل لجنة متخصصة من النقاد والأكاديميين، تركز على جودة البناء السردي، وأصالة الفكرة، وعمق التناول الفني، وقدرتها على التعبير عن قضايا الإنسان العربي، ولا تقتصر قيمة الجائزة على الجانب المادي، بل تشمل التكريم المعنوي، وفرصة الترويج الإعلامي الواسع، وهو ما ينعكس في زيادة مبيعات الروايات الفائزة وتوسع قاعدة قرائها.

*مواهب شابة

شكلت «جائزة الشارقة للإبداع العربي» منذ انطلاقتها عام 1997، محطة مهمة بين المواهب الجديدة وعالم الاحتراف الأدبي في مجال الرواية، وتعد الجائزة الأولى من نوعها عربياً التي تخصصت في دعم الكتاب الشباب الذين لم يسبق لهم نشر أي عمل روائي، لتمنحهم فرصة الظهور وتقديم أصواتهم إلى الساحة الأدبية.

وتستهدف الجائزة الفئة العمرية من 18 إلى 40 عاماً، وتشترط أن يكون العمل الروائي المقدم غير منشور سابقاً، ما يفتح الباب أمام التجريب والابتكار في مجال الرواية، ويشجع على بروز اتجاهات سردية جديدة، وتوفر الجائزة للفائزين فرصة النشر والتوزيع، إضافة إلى ورش عمل وندوات تطويرية تثري تجربتهم الأدبية.

وقد أفرزت الجائزة، على مدى أكثر من ربع قرن، عشرات الأسماء التي أصبحت اليوم من رواد الرواية العربية، وأسهمت في تجديد دماء المشهد السردي، وإدخال موضوعات وأساليب جديدة إلى الرواية العربية، وتعد الجائزة اليوم منصة رئيسية لاكتشاف المواهب، وتكريس ثقافة التنافس الأدبي، والذي بدوره ساعد على إبراز التنوع الثقافي والفني في العالم العربي.

*دور محوري

لا يمكن الحديث عن النهضة الروائية العربية في العقدين الأخيرين، دون التوقف عند الدور المحوري لـ «الجوائز الإماراتية» في هذا المجال، فقد أسهمت هذه الجوائز في إعادة الاعتبار لفن الرواية، وشجعت على التجديد في البنية السردية، ودفعت الكتاب إلى تجاوز النمطية والانفتاح على قضايا الإنسان المعاصر.

كما عززت الجوائز من مكانة الرواية العربية في سوق النشر، ورفعت من سقف التوقعات لدى القراء والنقاد، وخلقت حالة من الحراك الثقافي المتجدد، وأصبحت الإمارات، بفضل هذه الجوائز، منصة رئيسية لتكريم الإبداع السردي، ووجهة للكتاب العرب الطامحين إلى تحقيق الانتشار والتأثير.

* بيئة تنافسية

مستقبل الرواية العربية يبدو واعداً في ظل استمرار الدعم المؤسسي الذي توفره دولة الإمارات العربية المتحدة، بما تقدمه من تكريم للكتاب الفائزين، وخلق بيئة تنافسية صحية، تدفع الكتاب إلى تطوير أدواتهم، وتمنح الرواية العربية حضوراً متجدداً في المشهد الثقافي العربي والعالمي، ومع اتساع قاعدة المشاركين وتنوع النصوص، تواصل الإمارات دورها في صناعة أجيال جديدة من الروائيين، وترسيخ مكانة الرواية كفن يعبر عن نبض المجتمع العربي وتطلعاته.



‫0 تعليق

اترك تعليقاً