تُعَدّ بحيرة ناصر من أكبر الخزانات الصناعية للمياه في العالم، وتقع في جنوب مصر على الحدود مع السودان. وتُعدّ بيئة مثالية لتكاثر العديد من الكائنات الحية، وعلى رأسها التمساح النيلي، أحد أكبر الزواحف في إفريقيا، والذي يلقى اهتمامًا متزايدًا في الأوساط البيئية والاقتصادية على حد سواء.
وجود التماسيح في بحيرة ناصر
يُقدّر عدد التماسيح في بحيرة ناصر بما يزيد على 30 ألف تمساح، وفقًا لتقارير صادرة عن هيئة تنمية بحيرة ناصر. وتعيش هذه التماسيح في البيئة الطبيعية للبحيرة منذ عقود، وتتكاثر بحرية بسبب قلة التهديدات وضعف الرقابة، خاصة في المناطق النائية من البحيرة.
التماسيح وصيد الأسماك: العلاقة المثيرة للجدل
تثير التماسيح جدلًا كبيرًا بين الصيادين، بسبب افتراسها كميات كبيرة من الأسماك، ما ينعكس سلبًا على حصيلة الصيد السنوية. وتشير تقديرات غير رسمية إلى أن التماسيح تلتهم ما بين 3 إلى 5 آلاف طن من الأسماك سنويًا من البحيرة، من إجمالي إنتاج يُقدَّر بحوالي 25 إلى 30 ألف طن سنويًا.
وبينما يرى البعض أن وجود التماسيح يُعَدّ تهديدًا مباشرًا لمصدر رزق الصيادين، فإن آخرين، خصوصًا من دعاة الحفاظ على البيئة، يعتبرونها عنصرًا مهمًا في توازن النظام البيئي، لأنها تساعد في التخلص من الأسماك المريضة والضعيفة، وبالتالي الحفاظ على صحة البيئة المائية.
الاستفادة الاقتصادية من التماسيح
بدلاً من اعتبارها عبئًا، يمكن تحويل التماسيح إلى مورد اقتصادي حيوي، وذلك من خلال عدة وسائل:
1. إنشاء مزارع تماسيح مرخّصة
يمكن استنساخ تجربة بعض الدول الإفريقية مثل زيمبابوي وجنوب إفريقيا، التي نجحت في إقامة مزارع لتربية التماسيح، بهدف تصدير الجلود ذات القيمة العالية، والتي تُستخدم في صناعة الشنط والأحذية الفاخرة. كما يُستفاد من لحم التمساح في الأسواق الخارجية، خصوصًا في آسيا.
2. السياحة البيئية
يمكن تنظيم رحلات سياحية بيئية لمراقبة التماسيح في بيئتها الطبيعية، بما يعزز من الدخل المحلي ويوفر فرص عمل للسكان المحليين.
3. الاستخدام البحثي والعلمي
الاستفادة من التماسيح في الدراسات الطبية والبيولوجية، خاصة أن جهازها المناعي يُعَدّ من الأقوى في عالم الحيوان، وقد يفيد في تطوير أدوية ومضادات حيوية.
التوازن المطلوب: الحماية مع السيطرة
لكي تتحقق الاستفادة من التماسيح دون الإضرار بثروة الأسماك، يجب وضع خطة متكاملة لإدارة التماسيح في البحيرة، تشمل:
حصر دقيق لعدد التماسيح وتوزيعها.
ترخيص مزارع تماسيح خاضعة للرقابة البيئية.
سن قوانين واضحة تضمن عدم الإضرار بالنظام البيئي أو التسبب في انقراض النوع.
رفع وعي الصيادين بطرق التعايش مع الحياة البرية وكيفية تقليل الخسائر.
التمساح النيلي في بحيرة ناصر ليس مجرد “مفترس” كما يراه البعض، بل فرصة اقتصادية وسياحية وبحثية كامنة. ما تحتاجه مصر هو رؤية متكاملة، توازن بين حماية البيئة وتحقيق التنمية المستدامة، والاستفادة القصوى من مواردها الطبيعية.