في ظل تغيرات متسارعة تشهدها الساحة السياسية الأمريكية، كشفت الدكتورة نهى بكر، أستاذ العلوم السياسية وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، في لقائها مع برنامج “العالم غداً”، عن كواليس الخلاف العاصف بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورجل الأعمال الشهير إيلون ماسك، والذي وصل إلى حد القطيعة السياسية العلنية، بعد فترة من التعاون الوثيق.
أوضحت بكر أن الاهتمام بما يحدث في الداخل الأمريكي لا يعود فقط إلى أهمية الولايات المتحدة كقوة نووية وعسكرية واقتصادية، بل أيضاً لتأثير قراراتها داخلياً على بنية النظام الدولي ككل، لكونها تملك صوتًا حاسمًا في المؤسسات العالمية كالأمم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
وأشارت إلى أن الرئيس ترامب، الذي وصل إلى الحكم مدعوماً بالأصوات الشعبية والمجمع الانتخابي، اتخذ نهجاً غير مؤسسي منذ البداية، حيث عيّن إيلون ماسك على رأس وزارة مستحدثة تُعنى بالكفاءة الحكومية، أملاً في ضبط الأداء المالي للدولة، وأضافت أن ترامب كان يرى في ماسك رجل الأعمال القادر على تطهير المنظومة الحكومية من الفساد والهدر، دون اللجوء إلى المؤسسات الرقابية التقليدية.
غير أن الخلاف بدأ في التفاقم عندما بدأ ماسك يطالب بإصلاحات لا تتماشى مع رؤية ترامب، خصوصاً فيما يتعلق بالميزانية والنهج الاقتصادي، ما اعتبره ترامب تمردًا على سلطته، ومع تصاعد الخلاف، بدأ الطرفان يتبادلان الاتهامات علنًا، ووصل الأمر إلى أن وصف ماسك نفسه بأنه السبب الرئيسي في فوز ترامب بالانتخابات، وهو ما أغضب الأخير بشدة.
وذكرت أن ترامب رد على هذه الانتقادات بإلغاء بعض تعاقدات الحكومة مع شركات ماسك، وصولاً إلى وقف استخدام سياراته الكهربائية في المرافق الرسمية، في محاولة لانتزاع الشرعية الرمزية من منتجاته.
أما عن تأسيس ماسك لحزب جديد، فقد رأت بكر أن هذه الخطوة تعكس محاولة جدية لإنشاء طريق ثالث في السياسة الأمريكية، بعيدًا عن هيمنة الحزبين التقليديين الجمهوري والديمقراطي، لكنها تساءلت إن كانت هذه الخطوة بدافع سياسي حقيقي أم نكاية في ترامب بعد الصدام.
وترى بكر أن هذا الخلاف يعكس أزمة أعمق داخل النظام الأمريكي، حيث لم تعد المؤسسات تحظى بالمكانة نفسها، مع تغليب شخصية الرئيس على الأطراف المؤسسية، وقالت: “ترامب يضرب بالمؤسسات عرض الحائط، ويستغل بطء آلية القضاء والدستور لتمرير قراراته قبل أن يُبطلها النظام القضائي”.
وتطرقت إلى قضية أخرى أشعلت الداخل الأمريكي مؤخرًا، وهي اعتداءات على المتظاهرين والأكاديميين، وسحب تمويل بعض الجامعات، ما أثار غضب المجتمع المدني وخوف بعض الأمريكيين من خسارة وظائفهم أو التضييق على حرياتهم.
ورأت بكر أن هذه التغيرات قد تظهر نتائجها بشكل أوضح في الانتخابات النصفية للكونجرس، مشيرة إلى أن الأمريكيين غالبًا ما يستخدمون مبدأ “توازن السلطات” في التصويت عبر تقسيم الولاءات بين الرئاسة والكونجرس لضمان مراقبة السلطة.
ورغم ما يبدو من استمرار تأييد قاعدة جماهيرية لترامب، أكدت بكر أن استطلاعات الرأي أظهرت تراجعًا في شعبيته، لا سيما بعد تصريحاته المثيرة للجدل، مثل مطالبته بطرد مذيعة بسبب تعليقها على ضرب إيران، وهو ما يتعارض مع الأعراف الإعلامية والقانونية في أمريكا.
وعن تأثير هذه التطورات على الموقف الأمريكي من القضايا الدولية، خاصة التنافس مع الصين والأزمة الفلسطينية، يُتوقع أن تزيد الصين من نفوذها العالمي في ظل الخلافات الداخلية الأمريكية، خاصة في ملفات حساسة مثل تايوان والتجارة الدولية، ومن ناحية أخرى، يُنظر إلى استمرار الدعم الأمريكي غير المشروط لإسرائيل كوصمة على جبين تمثال الحرية، في وقت تتفاقم فيه الأزمة الإنسانية في غزة دون أي ضغوط دولية فاعلة لوقف الانتهاكات الإسرائيلية.
وحذرت د. نهى بكر، من تحول الولايات المتحدة إلى “إمبراطورية آفلة” إذا فشلت في إصلاح مؤسساتها، مشيرة إلى أن غياب الحكمة في قيادة العالم قد يُفاقم الأزمات الدولية، من الحرب في فلسطين إلى التغير المناخي.
وفي ختام اللقاء، أكدت بكر أن المشهد الأمريكي الآن يتّسم بالارتباك، قائلة: “المجتمع الأمريكي يعيش حالة اضطراب ناتجة عن قيادة غير تقليدية، وسننتظر لنرى كيف سيتعامل الناخب الأمريكي مع هذه التغيرات في السنوات المقبلة”.
برنامج (العالم غدًا) يذاع يوميًا على شاشة القناة الأولى المصرية فى العاشرة مساءًا تقديم ريهام الديب وليلى عمر ومحمد ترك، رئيس التحرير أيمن عطيه أبو العطا.
لمتابعة البث المباشر للقناة الأولى المصرية..اضغط هنا