
منذ الانقلاب الذي نفذه قائد الحرس الرئاسي، عبدالرحمن تياني في الـ26 من يوليو 2023 سرت بالفعل عديد من التكهنات في شأن الجهة التي ستستحوذ على يورانيوم النيجر؛ إذ شكّل أحد المفاتيح لفهم الحدث وارتداداته في الغرب وفرنسا على وجه الخصوص، علماً بأن النيجر زودت الاتحاد الأوروبي بأكثر من ربع احتياجاته من اليورانيوم عام 2022.
ولم تتردد قوى عالمية عن الدخول على خط هذا الملف؛ إذ باتت الصين وروسيا من جهة وفرنسا من جهة أخرى في قلب صراع محموم على يورانيوم النيجر الذي يستخدم في صناعة الطاقة النووية والأسلحة، وأعلنت روسيا الاثنين صراحة رغبتها في «استخراج اليورانيوم» وتطوير الطاقة النووية المدنية في النيجر، وفقاً لما قال وزير الطاقة الروسي خلال زيارة رسمية لنيامي.
واختار العسكريون الحاكمون في النيجر بقيادة الجنرال عبد الرحمن تياني، التخلي عن فرنسا القوة الاستعمارية السابقة، والتعاون مع روسيا التي تساعدهم على مكافحة الإرهاب.
وقام النظام العسكري في يونيو بتأميم شركة سوماير التابعة للشركة الفرنسية العملاقة في مجال اليورانيوم أورانو (المعروفة سابقاً باسم أريفا)، التي فقدت السيطرة التشغيلية عليها منذ أشهر عدة.
تطوير الطاقة النووية
وأجرى وزير الطاقة الروسي سيرغي تسيفيليوف زيارة رسمية لنيامي على رأس وفد روسي، حيث التقى الجنرال عبد الرحمن تياني لمناقشة التعاون الاقتصادي بين البلدين.
وقال تسيفيليوف للتلفزيون الرسمي بعد اللقاء: «مهمتنا لا تقتصر على المشاركة في استخراج اليورانيوم، بل إنشاء نظام كامل لتطوير الطاقة النووية المدنية في النيجر».
ووقعت مجموعة روساتوم ووزارة الطاقة النيجرية «مذكرة تفاهم» بشأن التعاون في مجال الطاقة النووية المدنية، وفقاً لبيان صادر عن وزارة الطاقة الروسية حول الزيارة.
ومنذ توليه السلطة، أعرب المجلس العسكري مرات عدة عن رغبته في إعادة النظر في نظام استغلال الموارد الطبيعية على أرض النيجر من قِبَل شركات أجنبية.
في ديسمبر 2024، أعلنت أورانو فقدان السيطرة التشغيلية على ثلاثة فروع تعدين تابعة لها في النيجر، تملك أكثر من 60% من أسهمها: منجم سوماير ومنجم كوميناك (مغلق منذ عام 2021) وحقل إيمورارين أحد أكبر الحقول في العالم.
وأوضحت أورانو فسي مايو أن جهات عديدة أبدت اهتمامها بتولي تشغيل مواقعها التعدينية في النيجر.
ولم تُكشف أي معلومات خلال زيارة وزير الطاقة الروسي لنيامي، الاثنين، تشير إلى أن مواقع أورانو ستنتقل إلى السيطرة الروسية، وامتنعت أورانو عن التعليق لفرانس برس على رغبة موسكو في «استغلال» اليورانيوم في النيجر.
وقود يضيء فرنسا
وتعد النيجر سابع أكبر منتج لليورانيوم في العالم وفقاً لبيانات الجمعية النووية الدولية، وكانت سابقاً حتى 2015 رابع أكبر منتج، لكن إنتاجها تراجع على مر السنين.
وخلال الحقبة الباريسية التي انتهت مع فجر الانقلاب العسكري، واجهت فرنسا، المستعمر السابق، اتهامات بسرقة موارد النيجر، وتهيمن شركة «أورانو» الفرنسية حالياً على معظم احتياطيات البلاد.
وفي السابق، قيل إن 3 من كل 4 مصابيح في فرنسا تضاء بواسطة اليورانيوم النيجري الذي يغذّي حوالي 56 مفاعلاً نووياً موزعة على 18 محطة طاقة.
وتستمد فرنسا قرابة 70% من الكهرباء من الطاقة النووية.
ويغذيها اليورانيوم القادم من النيجر بأكثر من 20% من إجمالي احتياجاتها، وفقاً لبيانات الوكالة النووية الأوروبية (يوراتوم) (1440 طناً من إجمالي 7131 طناً استوردتها باريس في 2022).
أما الاتحاد الأوروبي، فقد استورد من النيجر 25.4% من احتياجاته من اليورانيوم (2975 طناً) في 2022 وفقاً لوكالة يوراتوم.
لعقود طويلة، تفردت فرنسا بيورانيوم النيجر، فهي من اكتشفت وجوده بالبلاد لأول مرة عام 1957، وكانت «أورانو» الشركة الفرنسية هي المسؤولة عن تشغيل المناجم الثلاثة الرئيسية لاستخراج اليورانيوم بالنيجر.
واعتمدت فرنسا على النيجر في ما يقرب من 20 في المئة من اليورانيوم الذي استوردته لتشغيل منشآتها للطاقة النووية على مدى العقد الماضي، وفقاً لتقرير صدر في يونيو/حزيران 2024 عن معهد دراسات الحرب.
وقالت الجماعة الأوروبية للطاقة الذرية إنه عام 2022 قامت النيجر بتسليم نحو 25.4 في المئة من إمدادات الاتحاد الأوروبي، بينما كانت كازاخستان أكبر مورد للكتلة، وجاءت كندا في المركز الثالث.
واكتُشف اليورانيوم في البلاد في عام 1957 من قبل المكتب الفرنسي للبحوث الجيولوجية والتعدين (BRGM)، وبدأ الإنتاج في عام 1971.
في عام 2023، أنتجت البلاد 3527 طناً من اليورانيوم، أي ما يعادل 6,3% من الإنتاج العالمي، وفقاً لبيانات غلوبال داتا المتخصصة في مجال التعدين.
لماذا تتصارع الدول على اليورانيوم؟
لم تظهر إمكانية استخدام اليورانيوم مصدراً للطاقة حتى منتصف القرن العشرين، والآن أصبح يستخدم لتشغيل المفاعلات النووية التجارية التي تنتج الكهرباء وإنتاج النظائر المستخدمة للأغراض الطبية والصناعية والدفاعية في جميع أنحاء العالم.
ومع انتعاش الطاقة النووية منذ انزلاق العالم إلى أزمة طاقة بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا، أصبحت إمدادات اليورانيوم أمراً حيوياً بالنسبة للعديد من الدول التي واجهت صعوبة في مواكبة الزيادة في الطلب على الطاقة.
كما تتطلع شركات التكنولوجيا العالمية إلى التفوق على بعضها بعضاً بالإعلانات المتعلقة بالطاقة النووية، والتي تأمل أن تعمل على توليد الكهرباء اللازمة لتوليد مراكز البيانات الضخمة لتطوير الذكاء الاصطناعي.
وعلى الرغم من أن شركات المرافق العامة تحتفظ بمخزونات كبيرة من اليورانيوم لتشغيل مفاعلاتها النووية، فإنها على استعداد لتأمين الوقود النووي بأي ثمن تقريباً، وهي عوامل أسهمت معاً في تصعيد الصراع العالمي للحصول على إمدادات اليوانيوم اللازمة لتلبية احتياجات الطاقة.