د. محمد السعيد إدريس
في أوج حصاد ما اعتبره الرئيس الأمريكي دونالد ترامب «انتصارات تاريخية» عقب نجاحاته الانتخابية ونجاحات الحزب الجمهوري بالفوز بأغلبية مجلسي الكونغرس، وفي ذروة الترويج لمشروع ترامب لما أسماه ب«الترامبية السياسية» ولدعوة «فلنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى» وإطلاق حركة «ماغا» التى تحمل وتنادي بهذه الدعوة لتصول وتجول في أنحاء الولايات الأمريكية مبشرة ب«العهد الترامبي الجديد» كتب «ديفيد بروكس» كاتب العمود الشهير في صحيفة «نيويورك تايمز» (17/4/2025) مقالاً شديد الأهمية يستثير فيه الأمريكيين لمواجهة هذه «الموجة الترامبية العاتية التى تكتسح كل جميل» تحت عنوان: «ما يحدث ليس طبيعياً وأمريكا بحاجة لانتفاضة غير طبيعية»، اعتبر فيه أن مشروع ترامب «يتعلق في المقام الأول بالاستحواذ على السلطة من أجل مصلحته الخاصة»، وأن ما يحدث هو «إضعاف أو تدمير لجعل الأرض ملعباً للرجال الذين لا يرحمون»، واعتبر أن «الترامبية» تدور حول «الأنا والشهية والاستحواذ وهي مدفوعة بالنفور البدائي من العناصر العليا للروح البشرية.. التعلم والرحمة والارتقاء العلمي والسعي لتحقيق العدالة».
ديفيد بروكس تجاوز حدود التوصيف إلى الدعوة إلى الثورة على هذا كله وتحفيز الجامعات للتصدي لتلك «الترامبية».
هذا «النفور الداخلي» في الولايات المتحدة من المشروع السياسي للرئيس ترامب تزامن مع صعود «نفور عالمي» مواز بسبب هجمة ترامب على الاقتصادات العالمية برفع الرسوم الجمركية بنسب عالية جداً على جل دول العالم وخاصة الصين وبعدها الحلفاء في الاتحاد الأوروبي، وكان هذا النفور الداخلي والخارجي ضد مشروع ترامب يعد مؤشراً على أن فرص هذا المشروع لن تتجاوز السنوات الأربع للولاية الثانية للرئيس ترامب وأن الحزب الديمقراطي سيعود مجدداً ليضع نهاية لهذا المشروع، وربما تكون هذه النهاية أقرب ما تكون مع ظهور نتائج انتخابات التجديد النصفي للكونغرس التي من المرجح أن يخسر فيها الحزب الجمهوري أغلبيته في مجلسي الشيوخ والنواب والتي ستجرى في نوفمبر/ تشرين الثاني 2026.
هذا التوقع وجد ما يؤيده من تطورات جديدة وسريعة ومتلاحقة تشهدها الولايات المتحدة بدأت أولاً مع تفجر «انتفاضات الرفض الشعبي» في ولاية كاليفورنيا ضد ترامب، بعد أن تورط بتحويل الولايات المتحدة إلى «دولة بوليسية» بإرساله 2000 جندي من «الحرس الوطني» إلى مدينة «لوس أنجلوس» بذريعة «تحريرها» من غزو المهاجرين، ومعظمهم من دول أمريكا اللاتينية متجاوزاً قانون الولاية وإدارة حاكمها «الديمقراطي» جافني نيوسوم الذي لم يطلب مطلقاً العون والتدخل لقوات الحرس الوطني.
وإذا كانت الأصداء الداخلية للحرب الأمريكية – الإسرائيلية على إيران قد جاءت لتعمل على احتواء تلك الموجة الرافضة للرئيس ترامب ولمشروعه السياسي، استعادها مجدداً تفجر الصراع بين الرئيس ترامب وأقرب حلفائه في إدارته الحالية وأكبر داعميه في حملته الانتخابية أغنى أغنياء العالم الملياردير «إيلون ماسك» الذي انسحب من إدارة ترامب (27 مايو/ أيار الماضي) وباغت ترامب بإعلانه تشكيل حزب سياسي جديد أعطاه اسم «حزب أمريكا» الذي تم تسجيله رسمياً لدى لجنة الانتخابات الفيدرالية بتاريخ 6 يوليو/ تموز الجاري، بعد استفتاء أجراه «ماسك» على منصته «إكس» التي يمتلكها، حيث صوت 64,6% لصالح تأسيس الحزب مقابل 34,6% رفضوا الفكرة.
الإعلان عن تأسيس الحزب جاء بعد يوم واحد من توقيع الرئيس ترامب قانون «خفض الضرائب والإنفاق» الذي عارضه «ماسك» بشدة، وهو القانون الذي ألغى امتيازات ضرائبية لصناعة السيارات الكهربائية التي تعد شركة «تيسلا» التي يمتلكها إيلون ماسك أبرز ممثلي ومستفيدي هذه الصناعة، لذلك اتخذ ترامب من هذه الصلة فرصة للتشهير بغريمه الجديد وتشويه نواياه والتشكيك في جدية وجود مشروع سياسي حقيقي لدى ماسك يبرر له تأسيس حزب سياسي ثالث بالولايات المتحدة.
فقد انتقد ترامب مساء الأحد (6/7/2025) إعلان ماسك تأسيس حزب سياسي جديد ووصفه بأنه «سخيف»، وقال للصحفيين وهو في طريقه إلى واشنطن من نيوجيرسي إن السبب وراء غضب ماسك هو تمرير القانون الذي يلغي التخفيضات الضريبية للسيارات الكهربائية حيث يمتلك ماسك أكبر شركة لإنتاج تلك السيارات.
ماسك لم يشأ أن يخفي غضبه من تمرير ذلك القانون، وهدد كل عضو كونغرس أيد هذا القانون، وقال مخاطباً هؤلاء المؤيدين من أعضاء الكونغرس بأن «عليهم أن يشنقوا أنفسهم بسبب العار الذي ألحقوه بأنفسهم».
لكن هذا لا يعني أن «ماسك» أسير لتلك الأزمة، لكنه كان حريصاً على أن يؤكد أن لديه مشروعاً سياسياً لكسر غطرسة ترامب والجمهوريين في الكونغرس، وتأكيده حرصه على «إخراج البلاد من هيمنة الحزبين الديمقراطي والجمهوري»، إضافة إلى تهديد تماسك حركة «ماغا» حاملة شعار ترامب «فلنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى»، فالخطر الحقيقي لتمرد ماسك وحزبه يتعلق بإمكانية نجاحه في إحداث انشقاق بين أنصار حركة «ماغا» واستقطاب أعداد من الموالين لها والمهمشين الراغبين في إحداث تغيير في واقع السياسة الأمريكية، إضافة إلى طموح «ماسك» في تفتيت أصوات الجمهوريين وإيذاء ترامب وكسر قبضته على الحزب الجمهوري وإفقاده الأغلبية في الكونغرس، عندها ستكون نهاية «الترامبية» قد بدأت.
[email protected]