إيران وإسرائيل: استراتيجيات خيار النزاع

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!


د. ناجى صادق شراب

لا يمكن فهم الحرب الأخيرة بين إيران وإسرائيل والتدخل الأمريكي المباشر إلى جانب إسرائيل إلا من خلال نظرية توازن القوة بينهما، وما تعنيه مفاهيم القوة وتوجه إيران نحو امتلاك القوة النووية.
ابتداء، القوة النووية، وخصوصاً السلمية ليست حكراً على دولة دون الأخرى، لكن امتلاكها يعني تغييراً جذرياً في بناء القوة وفي علاقاتها بين الدول وتثبيت حدود النفوذ والمصالح القومية وتوسيعها وامتدادها. والأمر المهم هنا أن التحولات في القوة تقع في أهم المناطق الجيوسياسية في العالم، وهي منطقة الشرق الأوسط وفي قلبها النظام العربي وفي قلبه منطقة القلب اليوم وهي منطقة الخليج العربي بأهميتها الاستراتيجية والاقتصادية في تحولات القوة. ومن هذا المنظور فإن تحولات القوة ليست في صالح المنطقة بل تدفعها نحو الحرب كما رأينا، إضافة إلى المزيد من عدم الاستقرار، إذ تبقى الحرب خياراً مفتوحاً وحاكماً في العلاقات بين دولها وتدفع إلى مزيد من التنافس على القوة، حيث تبرز خارطة سياسية جديده للتحالفات الإقليمية والدولية.
وهذه الحرب سبقتها مواجهات مباشرة كثيرة بين الدولتين وفي العديد من التصريحات حول قدرة كل طرف على إبادة القدرات العسكرية للطرف الآخر، وعلى قدرة إيران محو إسرائيل من على خارطة الشرق الأوسط، رغم أن هذه التصريحات ليست المؤشر الذي يمكن أن نبني عليه حرب ال12 يوماً وأي حرب مستقبلية.
الحقيقة أن إيران وإسرائيل تقدمان نموذجاً مغايراً في العلاقات بين الدول، فالدولتان نموذجان لدول القوة ومجالهما الحيوي الذي تتنافسان وتتصارعان عليه في المنطقة العربية.
فالعلاقات بينهما تحولت أساساً من علاقات الصداقة والتحالف في زمن الشاه إلى العلاقات العدائية في مرحلة ما بعد الثورة الإيرانية عام 1979. وكما يقول الكاتب الأمريكي تريتا فارسي «إن إسرائيل وإيران ليستا في صراع أيديولوجي كما يعتقد الكثيرون كون المصالح الاستراتيجية تتقاطع في كثير من المجالات، وإن العلاقات تحكمها البراغماتية أكثر من الأيديولوجية الطاغية على العلاقات». فتاريخياً كانت إيران من أوائل الدول التي اعترفت بإسرائيل بعد عامين على إنشائها، واستمرت العلاقات حتى دخلت مرحلة العداء في أعقاب الثورة الإسلامية في إيران، حيث بات يحكم العلاقات حالة من العداء، وهنا يكمن تغيير مفهوم القوة في العلاقات بينهما. والبعض مثل الكاتب فارسي يذهب إلى أن مفهوم القوة كان سبباً في ضرب إسرائيل لمفاعل تموز النووي العراقي.
ويبقى السؤال، كيف يمكن فهم العلاقات بين إيران وإسرائيل؟ لا يمكن فهم العلاقات بينهما إلا من خلال مبدأ توازن القوة وهذا ما أكدت مصداقيته حرب ال12 يوماً والتي ما زالت خياراً قائماً، وهوما وصفه الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون ب«المبدأ الشرير» في العلاقات بين الدول. وهو المبدأ الذي وقف وراء الحربين الكونيتين الأولى والثانية والعديد من الحروب الأخرى.
وهناك من يرى أن مبدأ التوازن في القوة قد يقف وراء حالة الاستقرار في العلاقات، ولكن هذا المفهوم لا ينطبق على حالة إيران وإسرائيل، فالعلاقات تقوم على مبدأ الدولة الأحادية القوة الذي تتمسك به إسرائيل التي تنظر لخرق إيران لهذا المبدأ وتوجهها لامتلاك القدرات النووية باعتباره تهديداً لوجودها وبقائها، وكي تبقى القوة الوحيدة في المنطقة التي تمتلك أسلحة نووية.
وما يؤكد مصداقية هذا القول أنه على مدار خمسة قرون من النظام الأوروبي اندلعت 119 حرباً، ونادراً ما تحقق السلام، لأن الأساس في مفهوم القوة لا يقوم على التوازن بقدر ما يقوم على فرض سلام الدولة الأقوى أو ما يعرف اليوم بسلام القوة الذي تسعى إليه إسرائيل وتتبناه الولايات المتحدة مع رئاسة ترامب، وما تدعو إليه إسرائيل من «شرق أوسط جديد» الذي أساسه تثبيت قوة إسرائيل الأحادية ومنع بروز أية قوة جديدة، وهذا ما ينطبق على إيران اليوم. وهذا المفهوم يعني أيضاً حرمان أية دولة منافسة من امتلاك عناصر القوة، أو تغيير نمط بناء القوة السائد. وهذا ما يفسر السلوك الذي تتبناه إسرائيل.
وفى هذا السياق تبقى العقدة الثيوسيديدسية المفسرة للعلاقات وأن خيار الحرب يبقى خياراً مفتوحاً وقائماً، لأن إسرائيل كنموذج لدولة القوة المهيمنة والمسيطرة، لن تسمح لإيران بتغيير نمط توزيع القوة بامتلاك القوة النووية، وهذا ينطبق أيضاً على السياسة الأمريكية التي قامت بضرب المفاعلات النووية الثلاثة، وتحاول الآن فرض مفاوضات هدفها تجريد إيران من قوتها النووية ومفاضلتها بين أولوية النظام وبقائه وبين خيار الحرب.

[email protected]



‫0 تعليق

اترك تعليقاً