إدارة نزاعات العمل و”ثقافة الفريق”

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!


خالد حسن

خرج المدير رفقة سكرتيرته ومحاسب الشركة لتناول وجبة الغدَاء ‏بالقرب من مقر العمل. في الطريق لاحظ ثلاثتهم مصباحاً ملقى ‏على رصيف الشارع يغطيه التراب. التقط المدير المصباح ومسحَه ‏بمنديل ليَلمع ويتوهج، ثم خرج منه دخان كثيف تلاه ظهور عفريت. ‏تَكلم العفريت ليشكر المدير على تحريره من المصباح، ثم عَرض ‏على ثلاثتهم تحقيق أمنية لكل واحد منهم.
بدون تَفكير قالت ‏السكرتيرة «أنا أولاً، أنا أولاً». نظر إليها العفريت وقال ما هو طلبك؟ ‏فأجابت السفر إلى جزر الباهاماز، لأستمتع بالبحر وأستجم لأطول ‏فترة ممكنة. قال العفريت اذهبي فإذا بالسكرتيرة تختفي ويتبقى ‏المحاسب والمدير. بسرعة قال المحاسب «أنا التالي، أنا التالي، ‏أريد أن أقضي إجازة مع أسرتي في جزر الكاريبي». قال له ‏العفريت اذهب، ليختفي المحاسب ويتبقى المدير وحده غاضباً. قال ‏له العفريت ما هو طلبك؟ فردّ المدير بوجه عابس: أريد أن يعود ‏كلاهما هنا فوراً.‏
يستطيع المدير الذكي أن يتجاوز أي أزمة تواجهه بسرعة بديهته ‏وقدرته على الإبداع. أما المدير الحكيم، فلديه الخبرات المتراكمة ‏ليتفادى ظهور الأزمات من الأساس. ماذا لو احتفظ المدير ‏بالمصباح، وقام بتنظيفه في مكتبه بمفرده. المؤكد أنه لم يكن ‏ليتسبب في إحباط السكرتيرة والمحاسب، وخلق أزمة نفسية، قد ‏يظهر أثرها في صور مختلفة ترتبط بإدارة العمل.‏
توضح هذه الطرفة أو القصة الخيالية أهمية إدارة خلافات أو صراع ‏العمل بشكل علمي، بما يضمن حلها بدلاً من المساهمة في ‏إشعالها وتفاقمها.‏ وتعتبر إدارة الصراعات ‏Conflict Management‏، أحد تخصصات ‏علم الإدارة المهمة، والتي تتناول كيفية التعامل مع الصراعات، في ما ‏بين زملاء العمل في مؤسسة ما وبشكل علمي. وتهدف إدارة ‏الصراع إلى تقليل الآثار السلبية لخلافات الزملاء، بما يسهم في ‏تحسين الأداء وزيادة التعاون بين الموظفين بدلاً من الصراع، الذي ‏ينتهي بتدمير سمعة المؤسسة وتراجع مستويات أدائها. وتعدّ ‏كفاءة إدارة الخلافات داخل المؤسسة مؤشراً من المؤشرات، التي ‏ترفع من مستوى ثقة المتعاملين معها، كما تسهم في تحقيق ‏الاستفادة القصوى من كافة مواردها، بما يسهم في تحقيق ‏أهدافها.‏
إن مشاكل العمل اليومية في أي مؤسسة، هي حقيقة لا مَفرّ منها، ‏والمؤكد أن أبسط الخلافات قد تتحول إلى نزاعات معقدة طويلة ‏الأمد، إذا تم تجاهل وجودها أو التقليل من حجمها. ووجود خلافات ‏مستمرة يعني بيئة عمل متوترة غنية بالعلاقات السامة بين الزملاء، ‏وفقيرة في الثقة المتبادلة بينهم، وهو ما يؤدي في النهاية إلى أداء ‏ضعيف ومرتبك للجميع. تخيل مثلاً أن حارس مرمى فريق كرة قدم ‏في خلاف كبير مع مدافعي فريقه، والمدافعون لا يحبون بعضهم ‏البعض، من المؤكد أنه سيترتب على الخلاف والكراهية خسارة ‏الفريق وبشكل مخزٍ، مهما كانت كفاءة كل لاعب في الفريق. ‏على العكس إذا ما كان هناك «مناخ عمل صحي» بين اللاعبين ‏واحترام متبادل، سيؤدي ذلك إلى ما يسّمونه في كرة القدم «روح ‏الفانلة»، كنَاية عن روح التفاني الجماعية، التي تجعلهم يبذلون ‏قصارى جهدهم، لتحقيق الفوز طوال الوقت.‏
وهناك أنواع كثيرة للخلافات أو صراعات العمل. هناك النزاع بين ‏المدير ومرؤوسيه، بسبب أسلوب الإدارة ومدى استجابة الموظف له، ‏كما أن هناك صراعات بسبب وجود موظف مبتكر أو آخر غريب ‏الأطوار، فكلاهما قد يصعب التعامل معه، أولاً: بسبب رؤيته التي قد ‏تكون أوسع وأشمل من رؤية المدير، وثانياً: بسبب افتقاره لأسس ‏الالتزام. كما قد تظهر الصراعات بسبب الاختلاف في السلوكيات ‏والمبادئ الحاكمة للسلوك الشخصي للموظفين. وهناك خلافات ‏تكون بسبب تضارب الوظائف، وغياب التنسيق أو عدم وجود ضوابط ‏واضحة للعمل.‏
والصراع أو خلافات العمل غالباً ما تنتهي من ثلاث: إما أن يكون طرفا ‏الصراع خاسرين، أو أحدهما منتصراً والآخر خاسراً أو كلاهما ‏منتصراً. والمؤكد أن غياب الإدارة الجيدة لهذه الخلافات، تؤدي في ‏النهاية إلى خسارة المؤسسة.‏
والإدارة الرشيدة يجب أن تفهم كيف يتصرف الموظف حال وجود ‏الخلافات أو الصراعات، وبناء على هذا الفهم تستخدم مهارتها في ‏التواصل والوساطة أو الإقناع، لتنهي أي صراع أو خلاف قبل أن ‏يتفاقم وبما لا يضر بمصلحة المؤسسة.‏
وقد طور كل من ‏Kenneth Thomas ‏ وRalph Kilmann‏ عالما ‏الإدارة، أداة في سبعينات القرن الماضي تحدد السيناريوهات ‏الممكنة لاستجابة الفرد، أو تَصرفه حيال أي خلاف أو صراع، في ما ‏يسمّى أداة وضعية الصراع ‏Thomas-Kilmann Conflict Mode Instrument‏. وحددت الأداة خمسة سيناريوهات لاستجابة الفرد ‏في أي صراع، سواء في العمل أو حتى في الحياه الشخصية. ‏الأسلوب الأول هو التعايش ‏Accommodation‏، ويعني تضحية ‏طرف أو استسلام طرف من أطراف الصراع، إذا ما اعتقد أن ‏موضوع الصراع ليس بالأهمية الكافية، ويساعد هذا الأسلوب على وضع حل سريع لكن قد يكون مؤقت، إلا في حالة شعور طرف ‏الصراع بخطئه. ‏
الأسلوب الثاني، هو التجنب ‏Avoidance‏ وهو تجاهل وجود الصراع ‏وعدم التعامل معه. غالباً يتم التجاهل إذا ما كان الضرر المحتمل ‏من الخلاف يفوق المنافع المحتملة عند الدخول في صراع، أو قد ‏يكون التجاهل وسيلة لتوفير الوقت اللازم لفهم تفاصيل الصراع ‏قبل اتخاذ أي قرار. وفي بعض الأحيان يكون حل الصراع غير ‏ممكن، بسبب وجود اختلافات جوهرية في ما بين الشخصيات ‏المتنازعة، وبالتالي التجاهل هو الحل الوحيد الممكن.‏
الأسلوب الثالث، هو الحل التوافقي ‏Compromise‏ وهو الحل ‏الوسط، الذي يضمن عدم وجود منتصر أو مهزوم. وهو حل مؤقت ‏للخلافات المعقدة، خاصة إذا كان طَرفا الصراع يعرفان قدر بعضهم ‏البعض، وأن خسائر الصراع قد تكون فادحة لكليهما.‏
الأسلوب الرابع، هو المنافسة ‏Competition‏، وتعني فرض انتصار ‏أحد طرفي الخلاف على الآخر، لأن الصراع لا يحتمل أي نتيجة غير ‏النصر لأحد طرفي الصراع.‏
أما آخر الأساليب، فهو أسلوب التعاون ‏Collaborating‏ أو إدارة حوار ‏حول الصراع أو الاختلاف وفهم طبيعته وأسبابه، وتكريس الوقت ‏اللازم للحديث والتعبير عن المشكلة بشكل مفصّل، وهو ما يشبه ‏علاجاً تدريجياً للصراع من خلال المصارحة والاسترسال في تفسير ‏أبعاد المشكلة بين أطراف المشكلة، وهو ما ينتهي غالباً باقتراح ‏حلول مناسبة قد يقبلها طرفي النزاع.‏
* خبير الاقتصاد الدولي
[email protected]



‫0 تعليق

اترك تعليقاً